رضا السملالي يكتب: لعنة الطفولة !

“أبصرتهم بعيناي، نظرت إلى واقعهم بتأملي، أدركت همومهم بقلبي وها أنا ذا أكتب لهم بقلم حِبره ضميري”

حدّقت بطفولتهم المغتصبة، فتذكرت طفولتي المرحة ظلاما، ذات السعادة المزيفة .. صراحة كانت سعادة حقيقية إلى أن زيفها الواقع اليوم، وأنا أتأمل حرمانهم تذكرت حين كنت طفلا بعمرهم، إستحضرت صبيحة كل جمعة حين كان يرن جرس الساعة قرب أمي التي أتت كالعادة لتوقظني إلا وأنها تجدني مستيقظا مستعدا للذهاب للمدرسة حاملا بداخلي سعادة طفل عذراء، منتظرا بفارغ الصبر تلك الحصة .. تلك الحصة التي أصحت ضميري الإجتماعي، أيقظت إنسانيتي وشتّما علمتني المعاني العظيمة للمواطنة، المساواة، الرحمة، الإنسانية، التضامن، حقوق الإنسان وغيرها من مكامن المجتمع الواعي … إنها حصة التربية على المواطنة والتي أدرجتها حكومة وطني في المقررات التعليمية منذ أولى سنوات الدراسة، حكومة وطني، أو بالأحرى حكومة نفاق وطني، التي علمتنا العمل بالمعروف لكنها تعمل بالفحشاء والمنكر.

وأنا طفل آمنت وبكل سذاجة أن وطني وطن الإنسانية والمساواة، وطن الرحمة والتضامن، واليوم وبكل يأس أصطدم بالواقع المرّ وأدرك متأخرا أن كل ما درسته عن وطني في طفولتي لم يكن سوى كذبة، أنا وكل جيلي وحتى الأجيال السابقة لم نكن سوى أضحوكة لهذا الوطن، والكارثة هنا أن الوضع واضح لكن هي الأقلية الضعيفة من تدرك الموقف على حقيقته وما تبقى من المجتمع لا يزال مبحرا في سبات، نعم أعلم أنهم يوما ما سيدركون الحقيقة لكن ستكون كل الأمور قد خرجت عن حدود بصرهم..وضعتُ الحكومة و الوطن على كرسي الإتهام إلا أنني لم أذنب المتهم الثالث والذي يلعب دورا كبيرا بما نحن فيه … إنه المجتمع؛ والذي كثيرا ما أهانني لأفكاري وآرائي ويعتبرها شيئا ما متطرفة، فما باليد حيلة، مجتمعنا الظالم المظلوم إعتاد على الظلام فحين يرى الضوء المفاجئ يصيبه بالعمى، كيف يمكن للمرء أن يقنع هذا المجتمع الجاهل أن المذنب هو الظلام وليس الضوء .. 
قد لا تلائمكم أفكاري و آرائي، لكن كيف لي أن أستوعب أن طفلا في وطني، برعما في السنّ العاشرة يمسك بين أنامله سلكا يلفه على عنقه ليموت شنقا مودعا هذه الحياة التي لم يعشها بعد، نعم طفل في العقد الأول من عمره يموت منتحرا تاركا رسالة لأمه مضمونها كالآتي: “آسف يا أماه فالفقر هو السبب .. أعلم أن العوز يقهر أسرتنا الضعيفة، وأعلم أن بالك مشغول بهموم لوازم مدرستي الذي لا تستطيعين توفيرهم لي، لذا قررت توديعك وتوديع هذا الفقر والظلم الذي يلم بنا.. وداعا أمي الحبيبة”. أتدركون معنى هذا ؟ طفل في العاشرة من عمره يضع حدّا لحياته .. آه لن تدركوا المعنى فما يشغل بالكم في هذا الحادث فقط هو السؤال هل مصير هذا الطفل الجنّة أم النّار سحقا ولا حول ولا قوة إلا بالله، ماتت الإنسانية فينا، لم نعد ننصت لضمائرنا، لم نعد نعي ذواتنا.

يوما بعد يوم يزيد اشمئزازي من هذا الوطن ويزيد حقدي على هذا المجتمع. كيف لي أن لا أبغضكم جميعا وأنا أرى اليوم طفلة في الحادية عشرة من عمرها تتلقى السبّ والشتم والضرب نظرا لمظهرها فهي تعاني من مرض السّمنة المفرطة وبما أن مجتمعنا اللابشري يحاسب الإنسان بمظهره، وبما أن وطننا لا يوفر لمواطنيه الظالمين المظلومين أبسط حقوق العيش، طُرِدت الطفلة ذات الإحدى عشرة سنة من المدرسة وحرمت من حقها في التعليم وحتى في التطبيب فهي اليوم تجد صعوبة في المشي والإنتقال من مكان لآخر، حرمت حتى من أمانيها البسيطة فقد صرحت البريئة بأمل ميؤوس أنها لا تريد سوى الإستمتاع بطفولتها وتكوين صداقات و تحقيق حلمها وتصير صحفية مستقبلا .. 
أتدركون معنى هذا ؟ طفلة في الحادية عشرة من عمرها تُحرم من أبسط حقوقها كطفلة .. لا لن تدركوا معنى هذا فهمّكم الوحيد في هذه القصة هو معرفة شكل الطفلة وكم يبلغ وزنها..حقا، صرت أدرك حاليا أننا لم نعد نستحق هذه الحياة لأن “صندوق الجوهر في أرواحنا صار فارغا، فالرّوح بدون جوهرها كالذرة السّالبة في الفراغ، أثمن ما قد تصل إليه قيمتها هي .. العدم”

التعليقات مغلقة.