لماذا سأعارض الحكومة ؟

لماذا سأعارض الحكومة ؟

 

منذ تعيين حكومة السيد سعد الدين العثماني وتنصيبها من طرف البرلمان، أصبح النقاش الطاغي على الساحة السياسية هو المتعلق بالانقسامات والصراعات الحادة داخل معظم الأحزاب، تلك المشاركة في الحكومة وأيضا المعارضة لها… بطبيعة الحال، الأضواء مسلطة على الحزب الرئيس الذي يقود الحكومة وهو حزب العدالة والتنمية من خلال الشرخ الكبير داخل صفوفه ما بين مؤيد للرئيس “المعفى” وقائد تجربته منذ سنوات، السيد عبدلإله بنكيران من جهة، ورئيس الحكومة الحالي السيد سعد الدين العثماني من جهة أخرى.. هناك صراعات أخرى من قبيل تلك التي طفت على السطح داخل حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ما بين رئيس الحزب، السيد ادريس لشكر، وجماعة الأعضاء “العشرة” من المكتب السياسي للحزب. كما يستمر الصراع داخل حزب الاستقلال حول زعامة الحزب دون إغفال الصراع القادم داخل قيادة وهياكل حزب الأصالة والمعاصرة كلما تقوى الحزب الجديد-القديم، حزب أغاراس أغاراس-الأحرار…

الجميع يعلم أن صراعات الأحزاب هي نتيجة حتمية لما وقع من بلوكاج حكومي وأن جوهر الصراع يكمن في رغبة الشعب، لنظام ديمقراطي يُفرز برلمانا وحكومة تُعبران عن طموحات المغاربة، وسلطة و”نخبا” و”أحزابا” تعارضان هذا التوجه وتعملان بكل الوسائل لإبعاد الناس عن الشأن العام وتيئيسهم وتزييف وعيهم ومحاولة إظهار كون الممكن والمستحب هو هذا الذي يُشرع في البرلمان ويُنفذ في الحكومة…

بطبيعة الحال، الجميع وبدون استثناء، تغاضى عن أهم شيء في المعادلة ألا وهي رأي الشعب في ما يجري ويدور. الكل يتحدث عن الشعب وتمثيل الشعب وإرادة الشعب ولكن الجميع اتفق في لحظة ما عن عدم استشارة الشعب فيما يقع وتمكينه من التعبير عن موقفه من “البلوكاج” وذلك عبر إعادة الانتخابات كحل لصراعات فوقية حزبية وسلطوية ومصلحية. الكل استبعد هذا الأمر بدعوى حينًا “الكلفة المالية” وأحيانا “الكلفة السياسية” وأخرى كون إعادة الانتخابات ستفرز نفس النتيجة الانتخابية، كما لو أنهم يعلمون الغيب…

الحقيقة أن شكل “النظام” الديمقراطي السائد في الوطن، دخل في تناقض عميق مع طموح شباب وشابات لحظة 20 فبراير 2011، من خلال عدم قدرته على مسايرة رغبة فئات واسعة من المواطنين في الانخراط في صف الدول الديمقراطية كما هي متعارف عليها… هذا ما تبين بالملموس من خلال نتائج الانتخابات التي تلت الربيع المغربي والتي هزمت أولا المنظومة الانتخابية “البصرية” وهزمت تدخل “الإدارة الترابية” وتحالف المال والإعلام و”النخب” و”الأحزاب”… نعم، ثلاث انتخابات رئيسية، لسنوات 2011 و2015 و2016، مكنت من هزم مشروع “التحكم” ومنح أصواتا تاريخية لحزب العدالة والتنمية، قاربت المليونين صوت انتخابي…

هذا الواقع الجديد المتمثل في انخراط العديد من المواطنين في العملية الانتخابية بالرغم من العزوف الكبير، وصعوبة “الإدارة الترابية” من رسم خريطة سياسية قَبْلية وضُعف حضور “أعيان” الانتخابات وأحزاب الإدارة في المعركة الانتخابية، كلها عوامل فرضت على الدولة البحث عن طرق أخرى لتنفيذ خُططها وتحوير الصوت الانتخابي وذلك من خلال ترجيح كفة “الناخب الكبير” الذي أصبح المحدد الرئيس لصوت الناخب-المواطن… وكما تعلمون فإن “الناخب الكبير” سهلٌ التحكم فيه في الوقت الذي أصبح جليا عدم القدرة في التحكم في الناخب-المواطن… فأصبحت ديمقراطيتنا، ديمقراطية “الناخب الكبير” و”البرلماني” و”أعضاء المكاتب السياسية” والمتحكمين فيهم…

هذا هو الواقع الحالي… بعد الانتخابات الجماعية وضد الأعراف الديمقراطية تحركت آلة “الإدارة الترابية” لتحديد الأغلبية والمعارضة داخل المجالس الجهوية بعيدا عن الشرعية الانتخابية ومنطق تحالف أحزاب الحكومة والمعارضة. وما بعد الانتخابات التشريعية لسنة 2016، تم الاستناد على “البرلماني” كناخب كبير لفرض أغلبية برلمانية خارج الشرعية و”المنطق” مكنت من انتخاب رئيس البرلمان من حزب صغير عاقبه المواطن-الناخب بأصوات حزب معارض وامتناع الحزب القائد للحكومة. وخلال “البلوكاج” تم الاستعانة ب”نخب” المكاتب السياسية لفرض واقع التخلي عن الرئيس المنتخب والمعين وتغييره بوجه ثان وفرض شروط وآراء هؤلاء الذين اندحروا انتخابيا ولكن انتزعوا “انتصارا” مؤقتا في وقت غابت الرؤية والجرأة على المتشبثين بالشرعية الانتخابية والمنهجية الديمقراطية…

الحكومة الحالية بعيدة عن احترام نتائج الانتخابات البرلمانية التي دخلناها بوضوح تام وهو الصراع ما بين حزبين وبرنامجين وقائدين، حزب العدالة والتنمية وحزب الأصالة والمعاصرة، وكذا رئاسة الحكومة ما بين السيدين عبدالإله بنكيران وإلياس العماري ولا ثالث لهما… وكانت الغلبة للحزب الإسلامي ولقائده… لكن مصالح “النافذين” لم تتقبل هذه النتيجة وكان الطريق معبدا لتمكين “الناخبين الكبار” و”نخب” الأحزاب لإسقاط حكومة الرئيس المنتخب والمعين عبدالإله بنكيران بمصوغات وتبريرات وحجج كثيرة لكنها كلها تُعاكس توجه وحَكم الناخب-المواطن… فكان “البلوكاج” وكل المشاهد التي شهدناها لأكثر من ستة أشهر وما زلنا نعيش تداعيتها رغم تغيير رئيس الحكومة وتعيين-تنصيب حكومة جديدة…

ولتوضيح مفهوم “الناخب-المواطن” و”الناخب الكبير” ودور “نخب المكاتب السياسية”، نسوق مثال قريبٌ منا نحن المغاربة وهو ما وقع في الانتخابات الرئاسية الفرنسية… هناك في بلد فلسفة الأنوار ورغم “أزمة الديمقراطية” وتحكم المال والإعلام في الحياة السياسية الداخلية، فما زال “كُنه” الديمقراطية يُحترم، أي حرية الناخب-المواطن في اختيار من يمثله وليس “الناخبين الكبار” ولا “أعضاء المكاتب السياسية”… هكذا تم اخيار مرشحي أكبر الأحزاب في فرنسا، الاشتراكي والجمهوري، من خلال انتخابات تمهيدية مباشرة شارك فيها أعضاء الحزب ومن أراد من المواطنين… كذلك كان صوت المواطن-الناخب هو المحدد الوحيد ما بين الدور الأول والثاني لرئاسات فرنسا، ورغم تقارب أصوات أربعة مرشحين (ماكرون ولوبين وفييون وميلينشون) إلا أن الجميع احترم المسطرة المتفق عليها وهي التباري حول الرئاسة للفائزين الأول والثاني حتى ولو كان الفارق صوتا واحدا… هكذا انتخب الفرنسيون مباشرة رئيسهم الجديد مانويل ماكرون واحترم الجميع النتيجة…

نحن في مغرب 2017، في وضع صعب، إذ لم نصِل بعد مرور أكثر من نصف قرن على الاستقلال، على احترام الديمقراطية في أبسط تجلياتها، وإذا بنا نمر إلى ما كان سائدا في أوروبا القرن التاسع عشر، حيث القرار والحظوة في التصويت كانت مقتصرة على بعض الفئات والأعيان كما هو الحال عندنا اليوم حيث أصبحت “السلطة” و”الناخب الكبير” و”أعضاء المكاتب السياسية”، هم من يحدد تشكيلة مكاتب الجهات والبرلمان والحكومة بعيدا وفي تعارض مع صوت الناخب-المواطن… وللحديث بقية…

بقلم: عبدالحق الريكي

 

 

التعليقات مغلقة.