إقليم الجديدة و ضرورة حراك شعبي من أجل غد أفضل

هذه السطور القائمة بذاتها ضمن هذا المقال لم تأتي نتاجا للفراغ أو بسبب البحث عن محاولة للتقليد الأعمى لما يقع في الريف الحبيب من فعل نضالي شعبي بحثا عن نور الكرامة ، شكل الحراك الشعبي لمنطقة الريف مرآة للتأمل في ملامح الواقع المزري لوطننا الذي يتنافى مع شروط عيش الإنسان كذات لها قيمة و غاية في القرن 21 و كذا ضرورة النظر إلى البدائل الممكنة  من أجل الخروج من قوقعة هذا الوضع الكارثي لأن ما يعاني منه ساكنة الريف فهو واقع معمم على كل المغاربة و المغربيات من الشمال إلى الجنوب ، و من ضمن بقاع هذا الوطن التي يعاني سكانها الأمرين رغم وجود الخيرات و الثروات التي يستفيد منها قلة قليلة مقابل تفقير فئات عريضة من المواطنين الذين لهم الأحقية في الاستفادة من هذه الخيرات ، هذه البقعة هي إقليم الجديدة التي تعيش على أرضها دينامية اقتصادية و صناعية نجهل من يستفيد منها في ظل واقع الفقر و البطالة و كل أشكال الإقصاء الاجتماعي ، هناك منطقة الجرف الأصفر التي تعتبر أبرز منطقة صناعية بالإضافة إلى مينائها من الأوائل على مستوى القارة الإفريقية إنتاجا و ملاحة و تصديرا و ذلك من خلال مجمع الفوسفاط و مركز الطاقة الحرارية المعروف اختصارا ب”JLEC” و معمل الحديد “صوناصيد” و اللائحة طويلة ، إلا أن طول اللائحة لا يعني أن ساكنة المنطقة تعيش الرفاه المثالي بل تجني من كل هذا سوى التلوث و الأمراض المزمنة و الأخطر من هذا هو استفادة “الباطرونا” و “أصحاب الشكارة” و المسؤولين من نتاجات هذه المعامل و المحطات الصناعية رغم أنها ثروة وطنية للمواطن الحق الأول فيها ، ففي حضور مركز الطاقة الحرارية الذي يلبي حاجيات المغرب من الكهرباء-المغرب و ليس المغاربة- يؤدي ساكنة الجديدة أثمنة خيالية بخصوص فواتير الماء و الكهرباء تجعل في غالب الأحيان من عمل الأسر ينصب على أداءها لتجلس قاعدة على “الدس” ، و في حضور خيرات الفوسفاط و إعادة تصنيعها لتتلائم مع حاجيات السوق فشبابنا يجلس بشواهده و تحصيله العلمي متكئا على أعمدة “راس الدرب” في غياب العمل بينما يتم توظيف أبناء المغرب الغير-النافع بأبخس الأثمان في استغلال واضح من جهة و إقصاء لأبناء المنطقة الذين تم إغراقهم في مستنقعات “الحشيش و الفنيد” حتى يظهر الواقع في تمثل الواقع و لإخراس الأصوات التي ستطالب بحقها عاجلا أم أجلا ، و في ظل واقع الإدمان الذي جاء كنتيجة للبطالة و الإقصاء الاجتماعي تغيب فضاءات القرب من ملاعب رياضية و مركبات ثقافية تساهم على الأقل في مواجهة فيروس الجهل و الخمول الذي أصبح رائحته تنبعث من الجدران قبل الذوات البشرية ، يقال أن على أرض مدينة الجديدة يوجد أكبر و أفضل مستشفى على الصعيد الوطني بشهادة -شهادة الزور طبعا- وزارة الصحة ، و لكن ما يقع في جوف بنية المستشفى تثبت العكس حيث كل أشكال الإهمال الطبي التي تصل إلى حد الوفيات و غياب الأطر ليس لعدم تواجدها بل لتكاسلها بينما تتقاضى أجرها من ميزانية الشعب و الرشوة و الشطط في استعمال السلطة خصوصا من طرف الممرضات و الممرضين و حراس الأمن الخاص في ضرب واضح للحق في الصحة ، زد على هذا أيضا مشكل النقل الحضري الذي يطرح أكثر من علامة استفهام حول مدى إنسانية الإنسان على أرض الواقع من خلال تلك الحافلات/الصناديق التي تحمل أكثر من طاقتها الاستيعابية في مشهد يندى له الجبين ، و لدى منطقتنا كذلك شهرة على مستوى الإنتاج الفلاحي و كذا البحري و لكن مع مقربة شهر رمضان قمت بجولة رفقة أمي لاقتناء لوازم هذا الشهر ، أثمنة جد مرتفعة في مشهد يعكس واقع المجاعة في مراحل معينة من تاريخ المغرب ، بحيث أن أحد سادة الشهر و هو الطماطم وصل ثمنه للكيلوغرام الواحد ما بين 6 و 8 دراهم مع العلم أن منطقتنا إلى جانب منطقة سوس مشهورة بإنتاج الطماطم و تزويد السوق الوطنية بها.

كب هذا و أكثر إن كان يعبر فهو يعبر عن غياب المواطن في منظور الآخرين ، من هؤلاء الآخرين يا ترى ؟ هم ما يصطلح عليهم ب”المسؤولين و مؤسسات الدولة” أولئك الذين يسيرون الشأن العام و يسعون جاهدين إلى توفير عيش ملائم للمواطنين بينما في الواقع يثبت العكس ، الآخرين كذلك هم البورجوازية و شركاتها التي لا هم لها سوى “الربح” و لو على حساب جيوب المواطنات و المواطنين و يمكن أن نضيف كذلك عناصر أخرى مساهمة تقوية صف “الآخرين” من قبيل أشباه الإعلاميين –و ليس جميعهم- الذين يصورون الوجود جميلا و كذا أشباه الجمعويين –و ليس الجميع- الذين يباركون عمل “الآخرين” مقابل فتات من المنح المشبوهة و كذا أشباه الأحزاب –و ليس الجميع- و أولئك مجرد دكاكين انتخابوية لا ترى لها وجودا إلا خلال الانتخابات، لهذا و أكثر فقد أصبح لزاما الاستفادة من درس الحراك الشعبي بالريف بوعيه و شعاراته و مطالبه و العمل على خلق فعل نضالي شعبي منظم من أجل الاستفادة من خيراتنا و ثرواتنا التي نهبها “الآخرون” بدون حق مقابل تجريدنا من حقوقنا (تجريدنا من التعليم-الصحة-السكن-النقل-الشغل….) ، هذا المقال الذي أنشره هو رسالة لكل مواطنات و مواطني إقليم الجديدة ، لقد بلغ السيل الزبى و لم يعد مجال للصمت ، لنحتل الشوارع بالمسيرات و الوقفات و الاعتصامات السلمية ، لنصغ ملفنا المطلبي و نناضل و نكافح من حوله لكي نعكس أننا فعلا ذوات إنسانية لها وجود حقيقي ، و في الأخير “ما لا يأتي بالنضال يأتي بمزيد من النضال”.

الجديدة في 26/05/2017

التعليقات مغلقة.