رَجُـلُ السّـنـة

في الرّابع من شتنبر ذهب الى صناديق الإقتراع المحلي والجهوي . هذه المرة لم يكن مدفوعاً -في سلوكه الإنتخابي – بمحضِ حافزٍ قبليٍ أو عائليٍ ،أو بمُجرد أداءِ واجبٍ أخد مُسبقاً مُقابله المادي ،ولا فعل ذلك خُضوعاً لنفوذ واحدٍ من الأعيان ،أو إمتثالاً لدعوة “المْقٓدّم” أو لنداء المخزن في الإعلانات البئيسة للتلفزيون .

الشُعور الذي خالجهُ وهو يضع الظرف -الذي أودعه صوته -في صندوق الزجاج بمكتب التصويت ،ذلك الصباح المشمس ، لم يكن سوى إحساسٌ غامضٌ و هشٌ بسُلطةٍ ما!

سلطة أن يعاقب ما يعتبره فساداً ،وأن يزكي ما يظنه إصلاحاً.سُلطة المساهمة في التغيير .سلطة التّمرد على منظومة من الأعيان الحضريين المُرْتشين .سلطة التّمرن على المواطنة .

كأنه كان يعيد إكتشاف سلاحٍ سياسيٍ ،طالما أهمله ،وقليلاً ما أعاره شيئاً من الإنتباه .بعد أن ظل يعتبر التصويت طقساً إدارياً تقتضيه العلاقة الطبيعية مع السلطة المحلية .

تصويته هذه المرة ، كان بعيداً عن منطق الإجراء الإداري و الآلي، بل كان بطعم آخر .لقد كان سلوكه البسيط يحمل رسالةً سياسية واضحة ،و يشكل إختياراً سياسياً لا غموض حوله .

على عكس العادة ،اعتبر أن قراره ،يتجاوز قليلاً دائرة الحي والمدينة والجهة، وأنه مدفوعٌ -هذه المرة- بهاجس أن يقول كلمته الصغيرة في قضايا الوطن ، مُقدراً أن له صوتٌ قد يكون مسموعاً في سياسة البلاد و عند ساستها.

طوال السّنوات الخمس الأخيرة ،كان ، تقريباً ،قد إستعاد حسه السياسي الفطري: تفاعل من وراء صور الفضائيات مع الأحداث الكبرى للعام 2011 ، في تونس ،مصر ،ليبيا ،اليمن ،و سوريا . تابع من بعيد حراك شباب 20 فبراير . إلتصق مع شاشة التلفزة وهو يُنصت للخطاب الملكي في مساءٍ مشهودٍ من أيام مارس 2011 . صوتّ بنعم على الدستور وهو يفكر في إصلاحٍ هادئ لا يتحول الى فوضى مُخيفة . ساهم في إقتراع نونبر التشريعي وهو ينتظر أزهار ربيعٍ مغربيٍ .

كل ذلك لم يُحوله الى سياسيٍ مُحترف ،لكنه منذ ذلك الحين صار معنياً أكثر بالشأن العام؛ يشاهد بنكبران في جلسات البرلمان في التلفزة أو على هاتفه النقال ، يتابع ملف التقاعد و قضية صندوق المقاصة ، مُكتشفاً أن كثيراً من تفاصيل حياته اليومية لها علاقةٌ مباشرة بالحياة السياسية ؛من ثمن ليتر الگازوال الذي يؤديه في محطة البنزين ،الى سن تقاعده القريب ،مروراً بتمدرس الأبناء و التغطية الصحية للأقارب ..

لم تتركهُ هذه المُتابعة على الحياد ، بل صار يملك إنطباعات و أفكار عامة حول الشأن السياسي للبلاد ، كما يملك شبه تقديرات شخصية و أخلاقية لمصداقية رجال السياسية الأكثر بروزاً في المشهد .

وهو في معزل مكتب الإقتراع ،مر سريعاً بذهنه شريط كل السنوات التي تلت تلقيه،عبر قناة الجزيرة ، خبر الشاب التونسي الذي أضرم النّار في جسده، تم وضع بإطمئنانٍ علامته على رمز الحزب الذي إختاره ،حتى دون أن يعرف بالضبط من هم مرشحوه لتحمل المسؤوليات المحلية بمدينته.

إنه -في تقديري- رجل سنة 2015 : النّاخب المغربي وهو يُعيد الانتخابات الى طبيعتها الأصلية كفعلٍ سياسيٍ بإمتياز.

حسن طارق

التعليقات مغلقة.