لماذا يكرهوننا؟

رأي

اليوم أشعر بالعار، ليس لأنني أستاذ فقط، ولا لأنني مغربي ، ولا لأنني انتمي لوزارة التربية الوطنية ، التي وزيرها لا يدري ما يفعل بجيل اساتذة المستقبل ، بل لأنّني تناولت طعام الغداء في بيتي  قبل أن أكتب هذه المقالة ،في الوقت الذي كان التنكيل والاهانة بإخواني وأخواتي من الاساتذة المتدربين، أشعر بالعار لأنّني متخم، سامحوني يا أيها الابطال من الاساتذة المتدربين ، سامحونا ولا تؤاخذونا بما فعل السفهاء منّا.

يعرف المغاربة في هذا اليوم  أن من شوّه صورة بلده هم أبناء بلده، صور الاساتذة الذين لم يعد في أجسادهم مكان لتلقي المزيد من هروات قوى القمع وكأننا في سنوات الرصاص، الصور التي تذكرنا بأزمنة اعتقدنا أنها ولت ، هذه الصور لم تفبرك لتشويه صورة الأمن ومن القى الاوامر.
رغم أن هناك فصول في الدستور المغربي ل2011 تحمي المظاهرات السلمية، الا أن الأمن لم يسمع أي منها، دعوا الفصول جانبا، دعوا احترام المربي جانبا وقيّم الوطنية ودعوا الأخلاق جانباً ، ألم يخطر في بالهم لحظة أنّ ابنه، أو بنته، قد يقعون في نفس الوضعية مستقبلا ؟
الصور والفديوهات التي توتق للعدوانية التي انتشرت على مواقع التواصل الإجتماعي ، وثِّقت فيها مشاهد بعض من اشكال العنف الغير المفهوم والغير المبرر الذي تعرض لها اساتذة الغد يؤكد أن “الهراوة” أو “الزلاط” الأمني مازال شغالا وبقوة ضد المحتجين والتظاهرات الاحتجاجية السلمية، وهذه نغمة “نشاز” حادة في سمفونية صيرورة تقعيد الديمقراطية المغربية التي تخطو خطواتها الأولى عندنا.
فقليلة هي الوقفات الاحتجاجية التي قام بها الاساتذة المتدربين التي حرمت من “حظها الوفير” من “زلاط” مصالحنا الأمنية، وهذا أمر أضحى يدعو إلى القلق الكبير في وقت سقط فيه جدار الخوف – الذي كان عمود سياسة تدبير الأمور في عهد سنوات الجمر والرصاص- ولم يعد رجال الأمن و”زوار الليل” الدين كانوا يرهبون عباد الله بتصرفاتهم الدنيئة عندما يقع المرء بين مخالبهم وأنيابهم ويستفردون به وراء شمس القانون والأعراف الإنسانية. لذا كل تدخل أمني عنيف وتفعيل الهروات الأمنية، بات يشوه سمعة البلاد أكثر مما يردع المحتجين الغاضبين، بل يساهم في تأجيج الغضب العارم لأوسع فئات الشعب المغربي اعتبارا لظروف الأزمة المركبة الخانقة التي يعيشها المغرب حاليا. إذ كل القطاعات “تغلي” وكل شبر من المملكة أضحى بؤرة للغضب وعدم الرضا على الأوضاع، فليس هناك قطاع على امتداد التراب الوطني لا يشهد إضرابا أو احتجاجا.
إن التدخل القوي والمبالغ فيها لرجال الأمن والقوات المساعدة وهجومها السافر والهمجي في حق الاساتذة المتدربين، يؤشر لأزمة دولة تستدعي تدخل الملك للإقرار بضرورة تفعيل القانون بحذافيره.

ومما يزيد الطين بلة، إذا علمنا أن هناك تساؤلات بدأت تطفو على السطح بقوة بخصوص طبيعة العلاقة بين وزارة الداخلية ورئاسة الحكومة وتموقعها الوزيرين ضمن الهيكلة الحكومية. فهل هي فعلا وزارة كباقي الوزارات أو أنها فوقها بشكل أو بآخر وأنها تغترف تعليماتها من خارج دائرة الحكومة،. فهذا أمر انكشفت تجلياته في أكثر من مناسبة…
ان مهندسي سياستنا الأمنية – التي أكل عنها الزمن وشرب- مازالوا لم يعوا بعد أن تدخلات القوات الأمنية وتفعيل هراواتهم لا يحل المشكل بأي شكل من الأشكال، وإنما على العكس من ذالك بالتمام والكمال، يضاعف من مداه وحجمه، كما من يُوسّع من دوائر الغضب المستطير ويؤججه. وإن استمرّ الوضع على هذا المنوال، سيأتي وقت يصبح فيه المحتجين أكثر عددا، وهذا ما قد يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه.
إن التدخلات الأمنية العنيفة وتفعيل الهراوات بسهولة فائقة وتجاوزات بعض الأمنيين ذوي عقلية سنوات الجمر والرصاص، باتت تساهم في تأجيج الاحتقان الاجتماعي وأحيانا تكون سببا مباشرا في أحداث أليمة تحرج الجميع، فمتى يعي المسؤولون بخطورة هذا المنحى؟

حساين المامون

 

التعليقات مغلقة.