العالم بين طاعون الطائفية و سرطان الإرهاب

إن ما يعيشه العالم اليوم  من نعرات طائفية و فلتات إرهابية لتجسيد واضح و ملموس لتلاؤم المفهومين و إرتباطهما الوثيق ببعضهما البعض فكل مفهوم هو نتاج للآخر و مصدر حياته , فتدبير الإختلاف في حد ذاته ليس هو الإشكال المطروح و إنما في القدرة على تكيف بيئة و أنظمة قانونية تدبر منهج الإختلاف بعيدا عن الخلاف الذي يولد الصراع و الدمار بحيث يصير الإختلاف تنوعا إبداعيا ثقافيا و فكريا .

فالعالم لم يكن محتاجا لأحد أو لدين معين أو لثقافة معينة لشهود نزاعات طائفية و إرهابية فالإختلاف نتاج للطبيعة البشرية  وظهر كمفهوم إنساني منذ النشأة , فحتى المحيط البشري يعرف تنوعا و تبايننا  فالطبيعة و مخلوقاتها  مختلفة عن بعضها البعض فلو أمنا بنظرية التجانس و الوحدة التامة فإننا سنكرس ثقافة القطيع و الحد من الحرية و الإبداع فالناس منذ الأزل يختلفون في المعتقد و الأفكار و الثقافات و الأساسيات و الأذواق حتى معايير العيش الأولية و غيرها و غيرها ….

لكن يظل السؤال المطروح كيف يتم تصريف الإختلافات و التعايش معها بسلاسة في ظل عالم لا يعترف إلا بتكريس ثقافة الأنا بعيدا عن مفهوم إنساني تشاركي يؤمن بالتعدد ؟؟

فالتعصب الطائفي و المذهبي لا يقتصر على دين محدد بعينه بل هو منتشر في جل بقاع العالم فهنالك أنظمة عالمية متأججة بصراعات بسبب سياساتها الدينية و الثقافية و فكرها الدغمائي الشئ الذي يجعل منها أرضية  خصبة لإنتاج مجتمع و جماعات لا تؤمن سوى بالعنف و الدم تحت غطاء فكر معين , الشئ الذي جر على العالم و في مناطق متعددة حالات من التمزق و التشرذم و التفكك لا يستفيد منها إلا أصحاب الضمائر الميتة و ذوي الرغبات الشهوانية السلطوية متناسين أن هذا الصراع المكفوف مدمر للفكر الإنساني قاطبة .

فالإرهاب سلعة عالمية دولية و موزعوه كثر و يروجون لفكره كالنار فالهشيم يتصدرهم دعاة الشر و شيوخ الفتن هناك من يدعو له بإسم الإله و آخرون يعرضونه بضاعة لهواة العنصرية و منهم من يمجده لأهوائه و نزعاته العرقية القبلية و العديد لأمراضهم العاطفية و لفراغاتهم الروحية و لتصريف مكبوتاتهم الحيوانية .

و لكي لا ننسى أن معضلة الهوية القلقة أو المترنحة تجد نفسها حاضرة بقوة داخل دهاليز منظومة العنف فتجعل من تلك الهويات التائهة ذئابا معزولة تسعى لفرض وجودها و إرساء معالم فكرها عبر أسالب وحشية دموية لا تمت للهوية و الثقافة البشرية و حتى الدينية بصلة .

لقد غدا الفكر الإرهابي عابرا للقارات فيما يشبه كتلا من العنف المسحوب بمرجعيات و ترسبات تاريخية تجعل مجموعة من الدول مرآبا لخلايا نائمة تستعد لتفجير قنابلها المدعومة بجرعات من التعصب و رؤية الخلاص  من خلال جز الأعناق و تهشيم الحضارات و طمس معالم التاريخ .

إننا اليوم في أمس الحاجة إلى مجتمع يؤمن بالإنسانية كمفهوم جوهري ذاتي متأصل في عمق الفكر البشري فالشفاء التام من معضلة الإرهاب و الصراعات الطائفية لن تقوم على دحض العنف بالعنف و نهج سياسات متجاوزة بل عبر إعادة برمجة الثقافة العالمية للإستعاب ثورة فكرية توحد هاته القرية الصغيرة تحت راية الإنسانية و بناء أسس ثقافية تستوعب إختلاف الأنماط و العقول البشرية .

في المتم :

الإنسانية نهر من نور تجري مياهه من الأزل إلى الأبد .

التعليقات مغلقة.