غُرفٌ للتعذيب واعتداءات جنسية.. قِصص “مظلِمَة” من داخل مراكز الرقية الشرعية في المغرب

آش واقع / أسامة بوكرين

 

“لم أكن أعتقد ان حياتي ستتحوّل في الست سنوات الأخيرة إلى جحيم” بهذه العبارة، وصفت حليمة، 45 سنة، معاناتها مع المسّ بالجن المفترض، وهي تنتقل من راقٍ شرعي إلى أخر من أجل إخراج “المارِق الأسود” من جسدها.

انتشرت بشكل واسع، منذ تسعينيات القرن الماضي في المغرب، ظاهرة ممارسة الرقية الشرعية من طرف أشخاص عارفين بخبايا “إخراج الجن من الجسد”.

وفي الوقت الذي تمّ تشديد الخناق على بعض المراكز التي حاولت تقنين هذه العملية، ساحَت بشكل واسع في مدن المملكة المغربية، “مراكز خفيّة” توجَد في بيوت مهجورة، لأشخاص مجهولين يقرؤون القرآن على الأشخاص بمقابل ماديٍ غليض.

الرقية الشرعية.. رحلة مجهولة

تحكي حليمة، وهي امرأة أربعينية التقيناها، عن قصة معاناتها مع “المسّ الشيطاني” المفترض، الذي قالت بإنها اكتشفته قبل ست سنوات عن طريق الصدفة خلال قيام صديقة لها بالخضوع لجلسة رقية شرعية.

“لَم يكن الأمر في البداية سهلاً، لقد حاولت في الأشهر الأولى على محاولة إنهاء حياتي بشكل كليّ، لكن الأقدار كانت تسير عكس ذلك” تقول حليمة.

وفي الوقت الذي يخضع فيه البعض لجلسات مقصّرة من الرقية الشرعية، تقول المتحدثة بإنها واجهت عشرات الرّقاة، وقابَلت جميع أنواع المرضى، واتكشفت عالماً لم تكن تعتقد بإنه موجود في الأصل.

تسترسل حليمة “كان الأمر مخيفاً، فأن تتحوّل مشاكِل امرأةٍ من تفسير العوالم الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، إلى تفسير أخر قائم على طريقة بيزنطية بعيدة على المنطق، هذا أكثر ما كان يفزعني”.

 

“واليوم، بعد مرور ست سنوات على أول حصة للرقية الشرعية أخذتها، أستطيع القول أنني لا زِلت أعاني نفس الأعراض، اضطرابات غريبة في السلوك والصوت، بدون تفسير” تزيد صاحبة الـ45 سنة وهي تتأسف على سنواتٍ من عمرها ضاعَت وهي تبحث عن حلٍ لشيء مجهول.

 

غرف تعذيب بما يرضي الله

تقول إلهام، الثلاثينية التي أدركت قبل سنتين بأنها كانت ضحية عملية نصب تحت مسمّى “الرقية الشرعية والعلم القرآني” بإن “ما يُمارَس داخل المراكز المستعملة من طرف بعض من يعتبرون أنفسهم معالجين روحيين تعذيب وجَلد”.

وأضافت المتحدثة، عن تجربتها الشخصية، بإنها تعرّضت للتعذيب والضرب ومحاولة صريحة للتحرش داخل كوخ يستعمَل لهذا الغرض من طرف راقٍ شرعي في إحدى قُرَى سوس.

وعن تفاصيل الواقعة، تقول مرافِقتي “دَلّتي أحدهم قبل أشهر، على فقيه في منطقة غابِرَة بسوس جنوب المغرب، وبعد أن المَسّ قد انتشر في جسّدي وأثّر بشكل كبير على سلوكي اليومي وتفاصيل حياتي قرّرت الذهاب إليه”.

تزيد محدّثتي “كانَ كوخاً صغيرا، تنيرُه بعض القنادِيل التقليدية، زُرتُه لمرتيّن، بعد ان قام الراقي بمحاولة ملامسة الجزء السفلي من جسدي بشكل يبعث على إيحاءٍ جنسي”.

وخلال الحصة الأولى “اخذَ الراقي عصا، وانهال عليّ بالضرب والشتم” تضيف إلهام “كان حديثه كاملاً حول جسدي والجنّي الذي يريد ممارسَة الجنس عليّ، ومع كلّ كلمة كان يصفعني على وجهي وأطرافٍ متغيّرة من جسدي بشكل عنيف”.

 

الرقية الشرعية.. من المسؤول ؟

سبَق وتفاعل وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربي مع أعضاء لجنة المالية بمجلس النواب في البرلمان المغربي، واعتبر ان الرقية الشرعية تستمد جذورها من السنة النبوية، لكن تفريخ مراكز خاصة لممارستها بالمقابل شأنٌ يخصّ الوزارات الأخرى من أجل الضبط.

وبهذا الخصوص، كشف حسَن، راقٍ من مدينة مغربية صغيرة، بإنه يشتغل داخل مركزه الخاص بالعلاج النبوي خارج إطار القانون إما “هارباً” من أعين رجال السلطة أو متحايلاً عليهم.. ويبقى الحال كما هو عليه إلى ان تشنّ السلطات حملة على “مراكز الرقاة” ليتم إغلاقها مؤقتاً إلى حين مرور بعض الوقت.

نعيم ربيع، راقٍ مغربي شهير على منصات التواصل الاجتماعي، سبق وصرّح بإنه أول من أسّس مركزاً للرقية الشرعية بالمغرب، معتبراً بإنه “أول من أعطى بعداً دوليا للرقية الشرعية” لكن الأصل ان هذه الظاهرة كانت منتشرة بشكل مختلفٍ وأكبر في الزوايا والأضرحة قبل عقود.

 

وحمّل أ.س، باحث متخصّص في علوم القرآن، المسؤولية إلى الجهات الوصية على القطاع الديني، معتبراً انه تاريخياً دائما ما كانت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية حاضنةً لممارسات الزوايا والأضرحة الشيء الذي ساهم في تطوير الوضع.

 

ولا تزالُ معضِلة مسؤولية الرقية الشرعية ومدى قانونية ممارستها داخل مراكز العلاج الروحاني، تعرِف تبايناً وفراغا قانونيا كبيرا في مساطِر الضبط والتكييف وتحديد الوقائع، الشيء الذي يجعلها ظاهِرٍة تتحوّل إلى مصدر لدرّ الأموال على مجموعة من الأشخاص العاطلين والمجهولي التكوين.

التعليقات مغلقة.