تجار الوهم

مخلوقات تشبهنا جسدا، تختلف عن جلنا فكرا وسلوكا، يحترفون صناعة الكلام والوعود والخطابات واعتلاء الكراسي والتمسك بالأبواق يتاجرون في أمالنا وأحلامنا وانتظاراتنا، يهمسون في أداننا بأنهم يهيمون في حبنا ويصرفون في وجوهنا حين تشتد عواصف آلامنا ومأساتنا ، تجدهم في كل الربوع وكل الأقطار، طفيليات نبتت في مشهدنا السياسي وزادت من تعميق جراحنا وتكسير ما تبقى من جسر تقة يربط بيننا وبين مؤسساتنا، ليست لهم بضاعة سوى الكلام ، ليست لهم قيم ولا مبادئ ولا درة حب لتراب الوطن، يحتكرون الإعلام بشتى وسائله ويهيمون فسادا أينما حلوا وارتحلوا يساومون، يسرقون ويصعدون فوق ظهورنا للوصول إلى أبراج عادية تحميهم الفقر والحاجة وهل هناك أشد فقرا من فقر الإنسان من إنسانيته، هل هنا فقر أشد فقرا من فقر المبادئ والقيم النبيلة، يستنجدون أصواتنا ويخنقوا منابرنا الصادمة بشعارات التغيير، يعينون لإدارة مصالحنا ولا يخدمون إلا مصالحهم، قد تجدهم في كل القطاعات في العمالات والمجالس القروية والبلدية والإقليمية والبرلمانية، والمصانع والمقاطعات، وكـل القطاعات، يتسللون خوفا من نظراتنا ولا يظهرون إلا عند ما يبدأ الاستحقاق أو حين يحتاجون إلى تبيض سواد أفعالهم، هم تجار الوهم سماسرة البهتان الذين لا يهم غير تقدمهم الشخصي ضدا على التقدم الجماعي بما يتيح للبلد ضمان استقراره الاقتصادي والاجتماعي بعضهم يرتدي قبعة حزبية وبعضهم يغير ألوانه كل موسم، بل كل يوم، وبعضهم صناعة خاصة من أجل التمييع والبلقنة، حربائيون يتلونون ويميلون مع كل ريح ومصيرهم مزبلة التاريخ.
في زمن الربيع الخريفي غيروا المواقف واستنجدوا بخطابات جديدة ومواقف جديدة وملتقيات جديدة ومؤسسات جديدة وأساليب جديدة واحتلوا مواقع جديدة لكنهم شبوا على الخداع وما يخادعون إلا أنفسهم. إن تجديد النخب وبناء تنظيمات قوية وإزالة تجار الوهم من المسؤوليات هو الطريق إلى مغرب الحداثة والتقدم أما خلق مساحات كبيرة لتجار الوهم لكي يتربعوا على مصالحنا لجريمة نقترفها بوعي أو غير وعي.
إن حال إقليم الجديدة لا يختلف بكثير عن أحوال مدن أخرى. فتجار الوهم كثر والشرفاء أكثر إلا أن الوهم هو المسيطر والحاضر وإلا كيف نفسر واقع المدينة المتردي الهش والذي يزداد هشاشة مع ابتعاد الشرفاء عن المشاركة في التدبير والتسيير وحضور قوي لتجار الوهم بزبانيتهم النباحة الحياحة.
كم قالوا لنا سنفعل ونفعل وسنبدع وسنتدخل وس وس وس ولم نرى غير التسويف وقتل الوقت الذي يقتلنا.
لقد خنقوا فينا نشوة الانتصار بالتغير وقتلوا الأمل فينا ووضعوا الحواجز أمام الطاقات وعكروا صفو العيش واقلعوا ورودنا وزرعوا الشوك بديلا، تعليمنا مهترىء وصحتنا مريضة وفلاحتنا تنتظر غير الأمطار وطرقاتنا مهترئة وسياستنا رديئة وفقرنا كبير، وثقافتنا محاصرة ومؤسساتنا تعاني أمراضا مزمنة، الرشوة ، المحسوبية، الزبونية، ونحن ننتظر كل وقت وحين لعل “غودو” يفتح الأبواب والنوافذ لريح جديدة تغير الأحوال وتبعث الأمن والأمان وتريحنا من تجار الوهم المتأصل في انتزاع خيراتنا وتبديدها هنا وهناك دون حياء ولا حشمة.
فتجار الوهم أشكال وألوان وحكاياتهم هشتكوكية وهوليودية فهم نجوم بدون ضوضاء وحائزون على شواهد الكفاءة في النصب والاحتيال وخلق البلبلة والكلام الفارغ ويتاجرون في كل شيء ويبيعون كل شيء من الوهم والكذب والنفاق والرياء ويستقبلون الملك الجوال في كل طلعته البهية بالمدينة بحلول ترقيعية برغم أن جل المشاريع التنموية دشنت على يديه الكريمتين حتى مدخل المدينة الرائع والجذاب والجميل والرومانسي وقد علق أحد العارفين بخبايا وأسرار المدينة وشطحات الملتوية للمسؤولين “الجديدة مزوقة من برا وآش اخبراها من الداخل”. فالمسؤولية ملقاة على هؤلاء المسؤولين ليتعضوا من التدشينات الكبرى للمشاريع التنموية لملك البلاد ومدى تفانيه وحبه لخدمة رعاياه، أما المسؤولين بالجديدة سواء في السلطة الوصية أو المنتخبة همهم هو التفويتات للوعاء العقاري للوبيات الفساد والحرص على توفير الدعم المادي للمهرجانات والملتقيات والتي يستفيد منه ذوي القربى والأصدقاء والأحباب في حين أن مرض القصور الكلوي وأمراض المزمنة ينتظرون “قشفات” من الجمعية الإقليمية للشؤون الاجتماعية والتي تصرف أموالها في أنشطة خارج أجندتها بأمر من آمر.

التعليقات مغلقة.