أعيان موسم مولاي عبد الله بين الأمس واليوم .. بين المساهمة من المال الخاص وبين إستغلال المال العام .. ومطالب بتدخل المجلس الأعلى للحسابات

 

آش واقع / المصطفى بنوقاص 

مع كل انطلاقة موسم مولاي عبد الله تنتابني ذكريات الطفولة وتغوص في أعماق التاريخ وترجع بي الذاكرة الى مراسم الموسم في الستينات والسبعينات، حيث يترنح صدى اسم أحد الاعيان الذي طالما تردد في تلك الآونة وأصبح رمزا مرتبطا بالموسم بشكل كبير، لدرجة أنه في بعض الأحيان كنت تجد الناس تطلب من سائقي العربات أو سيارة الأجرة بأن يوصلهم الى (حطة فلان )قبل زيارة الضريح وكان المقصود من ذلك التعرف على المكان الذي سيقضون فيه أوقاتهم خلال الموسم بعد القيام بالطقوس الدينية في الضريح، وكان هذا الإسم لأحد الأعيان الذي كان مجرد فلاح لعبت عائلته دورا طلائعيا في تكريس مظاهر الحضارة في الجديدة خاصة وفي الإقليم عامة، وكان إسمه قد شعشع على مدى جغرافية دكالة، ويزداد إشعاعا بمناسبة موسم مولاي عبد الله، إنه العلمي بن دغة من أنبل وأشهر الأعيان، بل وأكرمهم على الإطلاق، لما يرجع له الفضل في تنظيم ولائم للفقراء والمساكين من ماله الخاص، ناهيك عن ترفيه الناس بتنظيم سهرات فنية وجلب مجموعات غنائية، بل كان يمد المنطقة بكاملها بالكهرباء عن طريق محرك ميكانيكي عندما كانت الجماعة تفتقر الى الكهرباء  وكان رنينه يسمع في كل أنحاء الموسم حتى أصبح مصدر هذا الرنين كعلامة لمعرفة مكان الحطة كما كان يزود الساكنة بالماء الصالح للشرب عن طريق جلب خزانات كبيرة،  والأكثر غرابة أنه كان آنذاك يقال ويروج عنه أنه كان يمد السلطة بالكهرباء، للسهر على أمن المواطنين بل كان يمد حتى بعض الخيالة دوي الدخل المحدود بمادة البارود وبالعلف لخيولهم.

ويأتي ذكر هدا الشخصية كمثال لما كان عليه الأعيان في تلك الآونة، حيث كانوا يلعبون دورا طلائعيا في إعطاء إشعاع كبير للموسم، وكان الكل يساهم من ناحيته لإبراز تقاليد قبيلته وعاداتها بل كانت قبيلة العونات تستمر باحتفالاتها لتتمدد الى مدينة الجديدة وسيدي موسى، بل تتجاوز الحدود قبيلة اشعيبات الى مولاي بوشعيب، ويمر الصيف مميزا احتفالا بموسم الحصاد، ومن أهم هذه القبائل لقواسم والعونات ولمعاشات وشعيبات ولمحارزة ولاد فرج.

لكن ما أصبحنا نراه اليوم من تبذير للمال العام من طرف بعض الأعيان، مستغلين نفودهم الحزبي والسياسي ومهماتهم الإنتخابية بالاستمرار في حملات ترويجية للاستحقاقات المقبلة ومحاولة تذويب المعارضين بولائم وتحصين(حطاتهم )بحواجز في ملكية الدولة في الوقت الذي نرى (حطات) خيالة في الوحل وبين ركام من الأزبال.

لقد تفشت ظاهرة الأعيان المزيفة خلال السنوات الأخيرة، وتقوت شوكتهم باستعراض قوتهم والإستلاء على مساحات كبير لتركين سياراتهم وسيارات عائلاتهم، وأصحابهم، فيما تضل الطرقات في الموسم تتخبط في ازدحام واختناق مروري، ناهيك عن تكليف خدمهم و(خمماسيهم) بحراسة المكان ومنع الكل من الاقتراب من حطتهم التي أصبحت كقلعة محصنة ينظر اليها المواطن العادي نظرة رعب وخوف من بلطجية حراسها (الخماسة).

وإذا ما قارنا الماضي بالحاضر الحالي، نجد أنفسنا امام مفارقة عجيبة حيث رغم كل مظاهر التقدم والعصرنة والتقنين والتسييس والتحزب، التي عرفها الموسم الا أنه خرج عن السكة التي كان هدفها محدود بإحتفال القبائل بموسم فلاحي جيد بمساعدة الفقراء، والمحتاجين وإدخال البهجة عليهم عن طريق الترفيه والتنشيط.

إن ما يجري في موسم مولاي عبد الله حاليا يستدعي تدخل المجلس الأعلى للحسابات، والتحقيق فيما يجري من تجاوزات ظاهرة للعيان، من إستغلال للنفود الإنتخابي وتبدير المال العام، وتحقيق مكاسب حزبية وسياسية من خلال حملات انتخابية سابقة عن طريق تنظيم ولائم طيلة الموسم يوم للأعضاء المنتحبين ويوم للموظفين، في العمالة، ويوم لرجال السلطة، ويوم للأحباب والأصحاب وهكذا.

الموسم هو موروث ثقافي يجب المحافظة عليه ويجب تحصينه من تدخلات المنتخبين والأعيان الانتهازيين، ومنح مسؤولية تنظيمه الى جمعية أو منظمة ثقافية، حتى يبقى محافظا على طابعه الثقافي الثراتي التثقيفي، وإزالة مظاهر الشرك والشعوذة والالحاد، وإتاحة التنشيط كما كان في السابق الى كل قبيلة لإبراز عاداتها وتقاليدها، مع إشراك قبائل من خارج الإقليم حتى يتسنى ان يكون موسما وطنيا يتحاكى به العالم بأسره.

التعليقات مغلقة.