ليلة تركية طويلة

hassan

 

لم يفشل الإنقلاب التركي .فعل ما تفعله المغامرات العسكرتارية المجنونة عندما تصاب بهوس السلطة السياسية ،تسيطر على المواقع الحساسة في الدولة و تطلق بلاغها الأول المليء بالجمل المجترة ،والنفحة الثورية الكاذبة المدافعة عن المصلحة العليا والثوابت ،تم تستعد للإمساك بزمام الدولة وإعلان الحكم المطلق .
لم يفشل الإنقلاب التركي . فقد كان نموذجيا في خطواته، وفيا للخطوات التقليدية التي ترافق اللحظة الصفر لزحف العسكر على رقعة السياسة .
ما وقع هو أنه وجد نفسه مواجها – في سرعة قياسية- بهبة شعبية هائلة و غير متوقعة ،إستطاعت إقباره في البدايات .نعم لعبت المؤسسة العسكرية دورا مهما في إفشال الإنقلاب ،لكن المحدد الرئيسي كان كذلك هو قدرة المشهد الحزبي التركي على عزل المبادرة الانقلابية ،التي لم تجد بالمطلق أي ظهير سياسي يستطيع تبييض جريمتها المكتملة الأركان ، و يقدر على إعطاءها قليلا من “المعنى “،لذلك ظلت مختزلة في حقيقتها الأصلية الأولى : عملية إغتصاب مرفوض للشرعية ،و إنتهاك واضح للديمقراطية وقواعد التداول السلمي على السلطة عبر صناديق الإقتراع.
المغاربة تابعوا تفاصيل “ليلة الكرامة” ،عن كثب،بطريقة تدعو للدهشة .فعلوا ذلك من خلال القنوات الفضائية- التي لم تلتزم جميعا بالحد الأدنى من المعالجة المهنية والموضوعية ،مغلبة الانتصار لأمنيات العواصم المشتغلة على أجندتها- ، تم من خلال أساسا مواقع التواصل الإجتماعي، التي تحولت بسرعة إلى فضاء لتقاسم المعلومات والأخبار ،وأكثر من ذلك إلى منبر للاصطفافات والمواجهات و إلى ساحة مفتوحة أمام معركة التدوينات والتعاليق والصور والتصاميم والرموز .
الليلة التركية الطويلة ،كانت كذلك مناسبة لإعادة إكتشاف هموم وأسئلة مغربية ، ذلك أنه إذا كان عموم المغاربة المتفاعلين مع الحدث قد أعلنوا إنحيازهم الواضح للشرعية ضد الإنقلاب ،فإن اللعبة المغرية لإستدعاء المواقع والمواقف من الواقعة التركية – كما كنا قد عايشناه خلال الحالة المصرية – و تنزيلها مباشرة على الاصطفافات الوطنية ،قد جعلت البعض يعلن إحتفاءه الساذج بالانقلاب نكاية في خصوم محليين ،تقمصوا لأسباب ثقافية وسياسية نموذج ” العدالة والتنمية التركي” إلى حدود التماهي الرومانسي .
وإذا كانت التحولات الايديولوجية التي شملت التمثلات السياسية للأجيال الجديدة ،قد عرفت خفوتا حادا للحساسية العروبية، التي تتأسس على نوع من الجفاء النفسي والعاطفي إتجاه تجارب الأمم المجاورة للعالم العربي (الترك والفرس )،فإنه يبقى من الغريب التهليل وسط بعض صفوف اليسار لتجربة الإنقلاب ،على نحو من الإستبطان المثير للمقولات “المجنونة” والسرديات”الغرائبية” لجزء من “النخبة المصرية “لحظة دعمها لإنقلاب العسكر على حكم الإخوان المسلمين.
إن الانتصار للإنقلاب،يعني في العمق إختيار الحكم المطلق للعسكر ،على الحكم الديمقراطي للإسلاميين المنتخبين ،وهو ما يعني خللا معيارياً فضيعا في سلم التفضيلات القيمية ،يسمح بقبول إغتصاب كل النظام الديمقراطي نكاية في الخصوم السياسيين والايديولوجيين ،وهو ما يعد تعبيرا بينا عن هشاشة الثقافة الديمقراطية لدى النخب ،ذلك أن تقديرات الموقف السياسي اتجاه وقائع بهذا الحجم ،لا يجب أن تنزاح عن سقف المبدأ.
وهذا أمر يدعو للقلق ،إن لم يكن للخوف.
دون ذلك ، فعناصر الأمل أقوى ،فالليلة التركية الطويلة ،التي ستطبع الذاكرة التاريخية و المخيال السياسي لأجيال وأجيال من الشباب وعموم المواطنين المغاربة ،ستتحول بالتأكيد ما يشبه فكرة جديدة وملهمة للطريق الصعب والشاق نحو ثقافة سياسية جديدة أكثر إيمانا بالديمقراطية.
ذلك أن لهذه “الليلة من أجل الديمقراطية “،دروس قوية نافذة ،أهمها أن إرادة الشعوب لا تهزم ،خاصة عندما تتملك نخبها الوعي الديمقراطي،و تحرص – خلال المحطات المفصلية الكبرى – على المبدئية السياسية عوض مجاراة العمى الإيديولوجي.

 

حسن طارق

التعليقات مغلقة.