“الهياتة ” يمثلون ويرقصون بالجديدة

” عادل.. فنان تشكيلي يعيش في ثراء وبحبوحة مع والدته الثرية الحاجة هنية.. متزوج من حنان التي ستتفاقم المشاكل بينها وبينه بعد الزواج نظرا للفوارق الاجتماعية بينهما وللنظرة الدونية لعادل نحوها لكونها من الأطفال المتخلى عنهم و سبق أن عاشت في مؤسسة خيرية. كما أنه سيخلف عهده بالتنازل عن جزء من مداخيل معرضه الفني لفائدة جمعية نسوية وحقوقية تشرف عليها شقيقته.. وفي خضم إجراءات الطلاق، سيفاجأ بحقيقة مرة تقلب حياته رأسا على عقب”.

من هذا الملخص ندلف إلى مقاربة مسرحية (الهياتة) التي قدمتها فرقة مسرح الحال مساء يوم الإثنين 7 نوفمبر 2016 بمسرح الحي البرتغالي  بالجديدة. وهي من تأليف حسن مجاهد، إخراج عبد الكبير الركاكنة.. تشخيص هذا الأخير رفقة: كنزة فريدو، فاطمة بوجو،نزهة عبروق،هند ضافر وأحمد بورقاب.سينواغرافيا عبد الصمد الكوكبي، المحافظة خالد المغاري، العلاقات العامة والتواصل عبد القادر مكيات. المسرحية قدمت بدعم من وزارة الثقافة وبتعاون مع المسرح الوطني محمد الخامس والمركب الثقافي محمد حجي.

يمكن إدراج(الهياثة) في خانة مسرح الفودفيلأو ما يطلق عليه أيضا “مسرح الغرفة” أو الأرائكوالخمائل الذي لا يغادر في أغلب الأحيان الصالونات الفارهة المعبرة عن مستوى الطبقة الاجتماعية التي تتفاعل الأحداث بين أفرادها والتي غالبا ما تكون من الطبقة الميسورة. لكن هذا لا يمنع من أن تكون الطبقة الاجتماعية متوسطة الحال بل وحتى متواضعته، فهذا غير مهم لأن المهم هو مسرحة حالة اجتماعية تخص طبقة معينة سواء كانت غنية، أم متوسطة أو حتى معدمة في ديكور يكاد يكون ثابتا لا يتغير.. الأهم فيه هو كيفية عرض هذه الحالة مع إقناع المتفرج بنسقها الفكري والمعيشي..ثم بالبناء الدرامي والفني كما التقني الذي حملها إلى الركح.

من باب الإقرار بما حصل سواء بالنسبة لي كمتفرج عادي أو كناقد، كما بالنسبة لجمهور جديدي متنوع المشارب والمستويات الفكرية والثقافية حضر العرض، فقد تمكن عبد الكبير الركاكنة وفريقهمن تحقيق عنصر الإقناع زائد الإمتاع من خلال فرجة مسرحية قوامها الطرفة  دون تهريج أو خروج عن النص .. وحركة شبه دؤوبةتخللها الرقص والغناء والنط.. مع توظيف مقطع شعبي من نوع (الهيث) بين المشهد والآخر..وهو العنصر “السمعي” الوحيد الذي يحيل على عنوان المسرحية دون أن يحيل العنوان على مضمونها..أي بعبارة أخرى أن تمة لا تناسب بين المضمون والعنوان فحبذا لو اشتغل الركاكنة على هذه الإشكالية حتى ولو كان العنوان من اقتراح المؤلف. لأن الإخراج، وكما ورد في كلمة عبد الكبير نفسه في كاتلوغ المسرحية: “ليس ترجمة حرفية للنص ولا تجسيدا ساذجا لأحداثه”.

وبالتالي يمكن، وعبر قراءة من زاوية نظر أخرى، أن نعتبر “الهياتة الحقيقيين” في هذه المسرحية هم الممثلون أنفسهم وليسوا شخصياتها.. ففعلا “هيّت ودردك” الممثلون فوق الخشبة ما طاب لهم، لكن عبر إيقاع  ممنهجودون تسيب..  تحكم تحركات بعضهم إدارة موفقة، والبعض الآخر تجربة ودربة طويلتان على الركح، تميزت فيها بالخصوص الفنانة المقتدرة كنزة فريدو ذات الباع الطويل في فن التشخيص سواء في مسرح الهواة أو في نظيره الاحترافي.. ولا زال صوتها– كما عهدته شخصيا منذ سبعينيات القرن الماضي – يصل بوضوح تام إلى  آخر متفرج في القاعة حتى ولو كان آتيا من الكواليس. يليها الفنان أحمد بورقاب الممثل الذي لم يشخ رغم تقدمه في السن،آزرته في حسن أدائه وتحركاته الرشيقة  الفنانة نزهة عبروق التي جعلتها موهبتها الفطرية في الإضحاك والإقناع على حد سواء: حركة، لفظا ورقصا،تثيرزوبعة من الضحك في وسط الجمهور، فحازت بذلك على أكبر حصة من التصفيق والتهليل، الشيء الذي جعلمنها نجمة المسرحية بامتياز.

في نفس النهج تقريبا  سارت زميلتها هند ضافر تحت إدارة الركاكنة الذي تألق كمخرج وكممثل متمكن من أدواته بحكم الخبرة والتجربة، لأنه ليس من السهل أن تدير زملاءك بنفس التحكم والحذر اللذين تدير بهما نفسك متى كنت المخرج والممثل.. لتحل بينه وبين بقية “الهياتة” المبدعة التي جمعت بين الموهبة.. والتجربة.. والتكوين الأكاديمي، الفنانة فاطمة بوجوالتي غدا لشخصها وحده، وبأية صفة سواء كممثلة أو منشطة، حضور وازن ومبهج فوقالركح.

numerisation0001 numerisation0002

التعليقات مغلقة.