التلفاز … كوسيلة للارتقاء الثقافي

بقلم : محمد لعرج ، طالب باحث في السوسيولوجيا

ما دام الأبناء سيجلسون أمام التلفاز وبصحبتهم الأب أو الأم أو هما معا لساعات طوال، لمشاهدة المسلسلات والأفلام الدرامية: المغربية منها والأجنبية؛ سواء لانجذابهم لها، أو لأنهم في عطلة، أو لعدم وجود متنزهات أو أنشطة يمارسونها، مما يؤدي إلى الكثير من التأثيرات السلبية عليهم، سواء على صحتهم الجسدية أو النفسية أو الاجتماعية، قد يصل الأمر إلى درجة الإدمان على مشاهدة التلفاز، التوحُّد مع برنامج أو مسلسل بعينه، وأمثلة كثيرة في هذا المستوى مثل” الافلام التركية” التي تستمر لسنوات طوال وقد يصل هذا الادمان إلى درجة تقمُّص دور إحدى الشخصيات، اتخاذ أحد الأبطال أو البطلات قدوة يتم تقليده في كل شيء، وجعله مثلا أعلى يحتدى به، مع اكتساب عادات وسلوكيَّات اجتماعية غير سليمة، قد تتعارض مع العادات والتقاليد والأعراف التي تسود داخل المجتمع الذي نعيش فيه، خاصة تلك المسلسلات المدبلجة القادمة من دولة تختلف وتبعد عنا في كل شيء جغرافيًّا وثقافيًّا، وبتالي نجد أبناءنا تحت وطأة مايسمى “بالتتاقف” التخلي عن تقافة الأم ومحاولة تقليد تقافة أجنبية، مما يُهدِّد الأمن والسلام الاجتماعي لأفراد المجتمع، ويُحدث التفكُّكات الأسرية والمجتمعية، والميل أكثر إلى الإنعزال والوحدة الاجتماعية.

وبناءً على ما ذكر من مشاكل إجتماعية بالأساس التي قد تتخبط فيها الأسرة بكاملها، فماذا يفعل الأب ووليُّ أمر أسرته؟ في ظل هذا الاتصال المباشر مع العالم الخارجي ومع العالم، وتنافس كل قناة فضائية ومشاركتها في تربية أبنائه معه؛ فلم يعد لأبنائنا اليوم في القرن الحادي والعشرين والدان فقط (أب وأم!)، بل أصبح لكل ولد وبنت مئات الآباء والأمهات تشاركهم التربية والتوجيه والنصح والإرشاد، وذلك عبر كل وسائل التكنولوجيا والاتصالات الحديثة التي تتطور بشكل مُذهِل كان في الماضي القريب شيئًا من الخيال العلمي والمستحيل تحقيقُه على أرض الواقع.

هنا المغرب بلدنا المفعم بالتنوع الثقافي والاجتماعي من طنجة الغالية الى الكويرة العزيزة، يدخل في نطاق المجتمعات العربية\الدوال الثالتية، من المجتمعات التي تعاني أزمة القراءة، أصبح يُطلق عليها “أمة اقرأ لا تقرأ!”، وأن المواطن العربيَّ هو أقل إنسان حول العالم في معدَّل ساعات القراءة في العام، والتي لا تتخطَّى عدة دقائق لا تتجاوز اليد الواحدة، ومعنى ذلك أن من لا يقرأ لا يكتب، وإذا كتب يكتب ما ليس له قيمة، وتلقَّى المعلومات بسهولة ويسر عن طريق تقديم وجبات معرفية وفكرية جاهزة “معرفة منحطة أخلاقيا” مما يعني إدخال ملوثات وسموم معرفية داخل عقول الصِّبية والمراهقين من الجنسين، حتى نصل إلى تنشئة وإخراج أجيال مدمَّرة في صحَّتها الفكرية والمعرفية، شباب غير قادر على التفكير السويِّ السليم؛ لعدم تربيته على إنتاج الفكر بل استهلاكه فقط، وعدم الاستفادة واستغلال العقل بتشغيل الأجزاء الخاصة بالنقد والتحليل وإعمالها، بتنمية وتطوير التفكير الناقد؛ هذا راجع بالاساس إلى عدم استخدام المستويات العليا من التفكير، لا في التعليم ولا في التربية، بل استخدام المستويات الدنيا فقط التي تتركَّز على الحفظ والاستظهار والتلقين والاسترجاع دون فهْم أو تحليل أو تركيب؛ تعليم ينتج شباب يقوم على تلقي المعلومة وارجاعها يوم الامتحان كما هي قلبا وقالبا، لذا هنا يستطيع مذيع إحدى برامج التلفزيونية أن يُؤثِّر ويُقنع ويبرمج عشرات الملايين من المشاهدين خلال سويعات قليلة يجلسها أمامهم في الصباح أو المساء! كما قال جسوس “التعليم في المغرب يسعى إلى خلق جيل جديد لم نعرفه في المغرب، جيل من الضبوعة، جيل من البشر ليس له حتى الحد الأدنى من الوعي بحقوقه و بواجباته ” الحل ليس بالسحري، وإنما لتجربتنا العلمية والاجتماعية كباحث في السوسيولوجيا، سوف نفترح حالا بتفعيليه من الأباء سوف نرتقي بهذه البرامج التلفزيونية لتصبح خاضعة لنا وليس العكس، ويصبح أبناءنا شباب مستقل فكريا- يفكر وينتقد ويحلل كل شئ وليس مجرد إناء يملى لا أقل. يشترط أن يضع وليُّ الأمر شرطًا على أبناءه حتى يشاهدوا هذا المسلسل أو ذاك الفيلم أو ذلك البرنامج، ألا وهو كتابة تقرير ليس بالطويل ولا بالقصير عن أحداثه أو الفكرة التي تناولها أو المشكلة التي يعالجها، وما هو رأيه الشخصيّ فيما شاهدَه وسمعَه، وذلك في ورقة مكتوبة وليس بشكل شفوِيّ، ومع توالي هذه العمليات، سوف يتطوَّر أداء هذا الولد أو تلك البنت، وسوف يجلس الأبناء للمشاهدة والتفكير الإيجابي، وليس للمشاهدة السلبية وبدون تفكير، أو كما يقال مشاهدة من أجل المشاهدة، أو مشاهدة من أجل إضاعة وملء الوقت، فهذه الطريقة سوف تُنمِّي التركيز والانتباه لدى الأبناء، وتُطوِّر أسلوبهم في الكتابة الواعية الناتجة عن النقد والتحليل مما يزيد من التفكير الناقد، وتُحبِّب الأولاد في التدوين، ثم يجلس الأب أو الأم مع الأبناء في مساء كل ليلة أو في اليوم التالي؛ لمناقشة ما كتب في هذه الوريقات، والتركيز على كل ما هو إيجابي، ورفض كل ما هو سلبي، مما يجعل الأبناء يحذفون أو يضيفون جملًا وعبارات لتقاريرهم؛ ولتشجيعهم على ذلك نحفِّزهم لنشر تلك الكتابات على صفحاتهم وحساباتهم على شبكات التواصل الاجتماعي كالفيسبوك والتويتر، وإذا كانت بعض الموضوعات ذات مستوى راقٍ، يتم تحفيزهم ونصحهم بإرسال تلك المشاركات إلى باب القرَّاء الموجود في كافة الصحف الورقية والإلكترونية، ويمكنهم إنشاء موقع في صورة مدونة؛ حيث إن هناك الكثير من المواقع الكبرى التي تستضيف المدونات، وبذلك يصبح كل ابن أو بنت في الأسرة كاتبًا/ة، صحفيًّا/ة، مدونًا/ة، ناقدًا/ة….وهكذا، وبالتالي نعظِّم الاستفادة من الوقت المهدَر من مشاهدة الشاشات، وإعمال العقْل وتشغيله بما هو مفيد ونافع، وتنمية القراءة والكتابة لدى أبنائنا؛ لإخراج جيل قادر على اتخاذ قراراته بنفسه، لا ينتظر غيره في بلد أخرى يأخذها له…

التعليقات مغلقة.