جماعة إثنين الغربية بين فردوس المواطنة المفقود وحس المسؤولية المحدود

 


يوشك أن تصبح مدينة الغربية الضاربة في عمق التاريخ المغربي بفضل حضارتها وأصالة مآثرها ؛ يوشك أن تصبح في الآونة الأخيرة الجماعة الدكالية التي تحتل مركز الصدارة في تحطيم الأرقام القياسية على مستوى حصيلة التأخروالتخلف في ميادين التنمية التي تعرفها باقي جماعات مغربنا الحبيب . وذلك بسبب أنها أصبحت وجهة الأزمات المتنوعة ومهبط الأحزان وقبلة التوثرات إستنادا إلى ما تعرفه من أحداث ومستجدات . بعدما كانت فيما مضى مقر خيرة علماء المغرب– أبو شعيب الدكالي – وقبلة المهتمين بتاريخ المغرب العريق ، ومنتهى الروعة في هندسة وتصميم عمرانها القديم .
تلكم الأوصاف غيض من فيض الوضعية المزرية التي تتخبط فيها الغربية . فماذا عن البحث الجاد المحايد في أسبابها ومناقشة عوامل التكون الرئيسية لمظاهرها المتزايدة ؟ ماذا عن الكشف عن الحقائق المختبئة ما وراء كواليس الصمت والتي ساهمت في تردي الحال ؟ هل ستدفعنا تلك السذاجة المعهودة إلى القول دائما بتحميل المجلس البلدي مسؤولية تفاقم وضعية الإقصاء من مشاريع التنمية ومواكبة التطور ؟ هل سنتغنى وباستمرار بأنها تعاني ما تعاني بسبب انعدام الضمير السياسي ؟ بسبب غياب حس المسؤولية ؟ بسبب تردي الوعي الجمعوي ؟ بسبب مسؤولين عديمي الضمير تعاقبوا على إستنزاف الميزانيات ؟ بسبب أعضاء سابقين كان همهم الوحيد التفاخر بالحصول على مقعد بسيط يمنح سلطة صورية لا تسمن ولاتغني من قرار حقيقي ؟ هل سننشد وفي كل مرة تراتيل اللوم والعتاب البليدة في حق السياسة والدولة والتدبير الجماعي أم سنخرج من تلك الدائرة الضيقة والأسطوانة المشروخة المليئة بالتصورات الكسولة إلى الإيمان الراسخ واليقين العميق بما يلي : إنها أيها السادة وضعية نتقاسم مسؤوليتها نحن الفئات السكانية أكثر مما تتحملها المجالس والمؤسسات والمكاتب والكراسي المتعاقبة على مر التاريخ . أنها وضعية بسبب إهمالنا التشبع بمواطنة حقيقية تبنى على أساس القيام بواجبات المواطن الصالح المصلح قبل المطالبة بحقوقها . المواطن الذي يسعى جاهدا بماله ودمه لخدمة أخيه وبلده . هي إذن مواطنة تسعى إلى مد يد المساعدة بين المواطنين أنفسهم للرقي بالكرامة بتسخير كافة المجهودات لخدمة البلد بدل إستنزاف الأوقات والإلتصاق بكراسي المقاهي صباح مساء .
قد يذهب البعض ممن تتعالى أبواقهم الإنهزامية في كل جلسة من جلسات الدردشة وممن يلتصقون بشعارات الجمود الفكري أنها حالة إجتماعية وتسييرية واقتصادية وصحية تعيشها مختلف جماعات التراب الوطني . وليس بجديد أن تعيش هي الأخرى ( جماعة الغربية ) حالات النسيان والتهميش على حد زعمهم البسيط المتواضع ربما . لكنهم لا يدركون من فرط سذاجتهم أن هذه المدينة المنسية تتفاقم أزماتها بشكل كارثي مع الأيام قد يعلن ذات مستقبل قريب عن أزمات أكبر ومصائب أخطر : أين نحن من التحليل المنطقي لتلك الأحداث المؤسفة المتكررة والجرائم المتتالية المستمرة والسرقات للمحلات التجارية والإعتداءات التي لم نسمع عنها من قبل ولا حياة لمن تنادي . بل أين نحن من الدراسة الجادة لجماعتنا الجامدة الميتة التي لم تعرف لا نموا ولا تغيرا ولا مشاريع حقيقية منذ أمد بعيد .
وربما قد يذهب البعض الآخر إلى حد التشبع بفكرة مفادها المثل القائل : ليس لجرح بميت إيلام . وبسبب هذا الطرح المتشائم أضحت تلك البقعة الشريفة من أرض المغرب جثة هامدة لا تؤثر فيها لذغات عقارب الجريمة ولا توقظها منبهات الفساد الأخلاقي والإجتماعي والسياسي وحتى الجمعوي .
عندما نتحدث عن مدينة الغربية فنحن بصدد الحديث الحزين عن مدينة عريقة أضحت بمرور الزمن شبه قرية يعيش فلذات أكبادها الحرمان الثقافي ويفتقدون الوعي المتجدد المواكب لما تعرفه البلاد من تنمية . ففي الوقت التي يتسابق فيه شباب مناطق أخرى نحو العلم والمعرفة وتحصيلها وتكوين جمعيات للإرتقاء بالحياة الفكرية تطويرا للحياة في شموليتها ، سنصادف هاهنا شبابا من طينة أخرى . وفي الوقت الذي تزدهر فيه العقليات وينتشر الوعي بضرورة تحقيق التغيير المنشود في حياة كريمة أساسها التشبع بثقافة الحقوق والواجبات هاهنا ينتشر وعي من نوع آخر . أشياء لا تحدث إلا في غربيتنا :
هاهنا السواد الأعظم من الشباب تستنزف طاقاتهم بملء إرادتهم ؛ يتسابقون نحو التهام الحشيشة والشيشة ويستبدلون برزق النهار المضني وتعبه مشروبا شيطانيا بالليل يفقدهم نور العقل ويبدد فيهم موازيين الرشد .
هاهنا البعض من سكان المدينة ممن يسمون أنفسهم – نخبة مثقفة – ينتقدون وبشدة أحوالها ويسبون ويعاتبون الركود والتخلف لكنهم يبيعون أصواتهم متى دعت الضرورة مقابل مئتي درهم أو ينسحبون لمجرد تقديم مساعدة مادية أو معنوية للرقي بجودة الحياة .
هاهنا مرضى فقراء يعيشون الإقصاء بسبب قلة أو ندرة الدعم الطبي سواء في شخص الموارد المادية الهزيلة أو البشرية .
هاهنا بيت من بيوت الله تحيط به قاذورات الصرف الصحي بشكل يندى له جبين الإسلام كما تتكوم حوله أزبال العربات دونما أن يعرف إلتفاتة صادقة من المسؤولين المشرفين أو حتى المواطنين للتحرك .
هاهنا مدراس يلفها النسيان وتتداعى جدرانها بالسقوط في أي لحظة .
هاهنا متعلمون ومتعلمات ابن عربي ؛ واللذين يتقاطرون عليها من الدواوير المجاورة ينتشرون في الطرقات ، تحت الأشجار ، في الممرات ، ينتشرون في العراء قرب المؤسسة لساعات ممتدة بسبب عدم توفر المنطقة على دار شباب أو مكتبة أوخزانة أو حتى منتزه بسيط بمقاعد عادية جدا تنتشلهم من ويلات التسكع والتحرش الجنسي والإذمان ومرارة انتظار الحصة المسائية منذ الثامنة صباحا موعد قدوم الحافلات المدرسية .
وهاهنا حافلات مدرسية بطعم المرارة حيث تلتصق الأجساد في زحمة لا نظير لها
هاهنا أيضا دار طالبة تفتقد الإلتفاتة الصادقة الحقيقية لتطوير جودة الخدمات أو حتى لتحسين وضعية الطالبات وتمتيعهن ببرامج متميزة للرقي بمستوى تعليمهن . وأبسط أبسط ما يفتقدنه هو تلك المساحة الكافية التي يتحركن فيها وقت الفراغ حيث تنفرد هذه المؤسسة عن نظيراتها بكونها تقتصر فقط على بناية يحيط بها سور يلتصق بها بشكل إستثنائي يحول دون تمكين الطالبات من الحصول على مساحة كافية وقت فراغهم ( على الأقل للمارسة رياضة او حتى للعب )
هاهنا آباء يفتقدون حس الحرص على تربية فلذات أكبادهم فيتركونهم عرضة للضياع والفراغ ويكتفون فقط بإشباع رغباتهم البيولوجية من أكل وشرب دونما الإهتمام بتوعيتهم وتنمية شخصيتهم وتكاملها .
هاهنا فاعلون جمعويون وفاعلات جمعويات يحملن لواء الصدق والعطاء ينتظرن الدعم المعنوي والمادي للتحرك لإنتشال المدينة من سباتها العميق المتعمد ولا أحد يلتفت لأدوارهم وأنشطتهم فينسحبون في آخر المطاف . . .
هاهنا وعي محدود وجهل مطلق بضرورة التغيير وتحقيق التنمية عند معظم الشخصيات ذات الكلمة المسموعة والنفوذ في ميادين شتى ترفض إستشراف المستقبل وتلتصق بالماضي وتصر أن تشاهد فيلم الحياة بالأبيض والأسود ؛ فعندما تنطلق المبادرات الشبابية بإصلاح بيت الله مثلا ، بتخصيص طابق للنساء تنطلق أبواق التكاسل والإنهزامية وأصوات التقاعس بتجميد المشروع بدعوى واهية أو حجة باهتة على الرغم من توفير الإمكانات المادية البشرية لتحقيق المشروع . وعندما يصدح شباب المنطقة الناضج بأنشطة جمعوية هادفة يصر البعض على إفشالها . وعندما يتطلع أحدهم إلى تغيير أحد مصابيح الإنارة العمومية من جيبه الخاص يقولون عنه أنه يتهافت لتحقيق شعبية للمشاركة في الإنتخابات المقبلة فيقومون بإقصائه ومنعه . وعندما يحتج أحدهم على جودة الخدمات ينعتونه بالفوضوي ويرمونه في سلة مهملات . وعندما تتأفف من تلكم الأزبال التي تنتشر هنا وهناك وتدعوهم لحملات للنظافة يتقززون من مجرد الإستماع لفلسفتك ويجيبونك ” ليس من شأننا ” على الرغم من عدم تقززهم من منظر مشاهدة فلذات أكبادهم يتسابقون للعب بمحتواياتها .
عندما نشجب ماآلت إليه جماعة الغربية نوجه أصابع الإتهام لذلك التفكير السلبي الذي ينخر في جسد عقليات العامة من الناس الذين تعاقبوا على العيش هاهنا . وننتقد بشدة جمود الرغبة في التحرك وتحقيق الأفضل لمستقبل أبنائهم . فلماذا نصر أكثر من مرة على التأفف من منظر النفايات ونحن الذين نقوم بنشرها هنا وهناك دون إحترام الأماكن الخاصة ودونما مراعاة لمجهودت الموارد البشرية التي تعمل بشكل مستمر ودوري ؟ لماذا نعيب على المركز الصحي جودة خدماته وندرة إمكانياته ونحن نعلم أن الكثيرين من ساكنة المنطقة المرفحين يحاولون إستجداء الأدوية المجانية قسرا على الرغم من عافيتهم فلا يتركون المجال للمرضى الفقراء الحقيقين ؟ لماذا نلعن حياة التهميش والإقصاء ونحن الذين نصنع بمداد حبر الإنتخابات من يملكون قرارت تحقيق النهضة المرجوة ؟ لماذا ننتقد وبشدة الحفر المنتشرة في الطريق الرئيسية دون أن ننتبه إلى العاهات الأخلاقية التي تحفر في مجتمعنا ؟ ولماذا يصر الكثيرون على جعل المسؤولية من نصيب الساسة والمسيرين دونما أن يتقاسموها معهم بجدية .
ألف لماذا وملايين مملينة من التساؤلات ستكون إجابتها الوحيدة هي ضرورة الوعي بمواطنة حقيقية أساسها تفعيل العمل الجمعوي والنهوض بالحس الوطني . . سيكون حلها الأوحد هو مسؤولية مشتركة تتبنى العطاء والتفاني حتى تجعل من هذه المدينة كما كانت في سابق عهدها مهبط العلم ووجهة الخيرات .

كتبها – قبس عبدالله

أستاذ التعليم الإبتدائي بمدرسة بدر

التعليقات مغلقة.