حكومة العدالة والتنمية… هل يحقق المرؤوس ما عجز عنه الرئيس؟؟؟

حقيقة وبحكم تواضع مداركي وفهمي للأمور السياسية وتدبير الشأن العام المغربي، لم افهم بعد المغزى من قرار الديوان الملكي الأخير بإعفاء رئيس الحكومة المعين عبد الإله بنكيران من مهامه بعدما فشل في تكوين حكومة منسجمة لما يتجاوز الخمسة أشهر من المشاورات العقيمة، وتعيين شخصية أخرى من نفس الحزب لإتمام المشاورات وتشكيل الحكومة ، فهل يحقق المرؤوس ما عجز عنه الرئيس؟

معادلة صعبة التحقيق سيما إذا ما أدركنا أن حزب المصباح يتخذ قراراته بشكل جماعي وليس انفرادي، ليكون الجواب ربما أن القصر اختار التدرج والحل الوسط الصائب من الاختيارات المتاحة كما جاء في صياغة نص البلاغ، والذي يجمع بين روح القانون الاسمي للبلاد ومضامينه الدستورية ومقتضياته المسطرية التي تشكل أهم بنود العقد الاجتماعي الذي ارتضته كل شرائح المجتمع المغربي، ومن جانب أخر هو إشارة آو ربما نقول تنبيه مزدوج إلى كل الفرقاء السياسيين معارضة وأغلبية من اجل تليين مواقفها واستحضار مصلحة الوطن والمواطنين، قبل أي اعتبارات أخرى شخصية كانت آو حزبية آو إيديولوجية… آو غيرها، وإعطاء فرصة ثانية للحزب المتصدر للانتخابات في أفق تسريع تشكيل حكومة منسجمة تسير وتدبر ومعارضة قوية تراقب وتقوم.

فهل توصل الفاعلون السياسيون إلى نفس الرؤيا بعد البلاغ؟ آم أن كل قوم ظلوا بما لديهم فرحون، وكل حزب قرأ قراءته الخاصة كل بحسب خلفياته ومداركه ومرجعياته، لتبقى للبلاغ الملكي مخرجات عدة واحتمالات شتى، ستتجلى للعيان في مستقبل الأيام، حسب ما ستجود به علينا نباهة وذكاء اللاعبين السياسيين المغاربة، في ظل احترام وحدة واستقرار وسلامة الوطن والمواطنين طبعا.

أولى المخرجات الواردة وبقوة والتي ربما راج بيان حولها داخل صفحات مواقع التواصل الاجتماعية وبعض المواقع الإعلامية، والذي سارع حزب المصباح نحو تكذيبه، يتعلق بانزواء الحزب إلى ركن المعارضة، وهو أمر قد يبدو من ظاهره مستبعدا، لكون الحزب أحرز المرتبة الأولى في سباق الانتخابات التشريعية الأخيرة ب 125 مقعدا برلمانيا ومن حقه دستوريا تسيير دواليب الحكومة، غير أن المتتبع للأمور والمتمعن للمجريات، سيستنتج أن حزب بنكيران بمقاعده 125 لم يتحصل على الأغلبية الحكومية التي تستوجب ازيد من 198 مقعدا، رغم اصطفاف أحزاب أخرى إلى جانبه هي التقدم والاشتراكية والاستقلال، ولعل الدليل الواضح على كون الأغلبية مشكلة في جهة أخرى غير التي يوجد فيها حزب المصباح، ما أسفرت عنه نتائج انتخاب رئيس مجلس النواب، التي أعطت الغلبة لممثل حزب الاتحاد الاشتراكي الحبيب المالكي، ليتأكد بذلك أن خروج حزب المصباح إلى المعارضة بعد إعفاء أمينه العام من رئاسة الحكومة سيكون القرار الأمثل والأرجح، خاصة إذا ما اعتمدنا المنطق الديمقراطي السائد والمعمول به في تشكيل المجالس الجماعية والإقليمية والجهوية المغربية. كرسي المعارضة أيضا سيحفظ ماء وجه الحزب أمام قواعده الشعبية، ويحافظ على وحدة وتماسك الحزب والرفع من شعبيته التي سارت تعرف انحدارا ملحوظا، هذا القرار إذا ما اتخذ فعلا سيكون له تبعات بلا شك، تتمثل في اجتهادات فقهاء الدستور المغاربة وحكمة وتبصر رئاسة الدولة المتمثلة في جلالة الملك، والتي لن تخرج في اغلب الأحيان عن خيارين محتملين، إما إسناد المهمة إلى الحزب الذي جاء في المرتبة الثانية من حيث نتائج الانتخابات التشريعية أي الأصالة والمعاصرة لتشكيل الحكومة وإتمام مسار البناء الديمقراطي، آو إسناد المهمة بناءا على ظاهر البنود الدستورية إلى شخصية تقنوقراطية متوافق حولها لتشكيل حكومة وحدة وطنية لفترة محددة في الزمن تكون مهمتها تصريف الأعمال والإعداد لانتخابات مبكرة.

المخرج الأخر، يتجلى في قبول حزب المصباح بخوض غمار تجربة جديدة على رأس الحكومة، بحجة المصلحة العليا للبلاد، واستكمال مسيرة الإصلاح المزعوم، وإتمام الأوراش المفتوحة، هنا ستظهر عدة تناقضات وستطرح عدة إشكالات، أولها تتجلى في اختيار الشخصية البيجيدية التي ستخلف رئيسها بنكيران؟ ومن عساه يقبل إن يكون ابن عرفة ثان و يحقق ما عجز عنه أمينه العام، سيما كما اشرنا سابقا أن الحزب يعتمد مبدأ التوافق الداخلي والتشاور الجماعي، كما يدعي، قبل البث في القضايا المطروحة والقرارات المتخذة، مما يعني أن كل الأبواب التي طرقها آنفا عيد الإله بنكيران والبلوكاج الذي وقع فيه، هو في حقيقة الأمر نتيجة قرارات حزب العدالة والتنمية بكل مكوناته وليست قرارات فردية او انفرادية لعبد الإله. فهل تتغير منهجية تفكير الحزب باستبدال المكلف برئاسة الحكومة؟ وهل تخضع العدالة والتنمية لشروط أخنوش ورباعيته المتحدة، خاصة في سياق إصرار هذا الأخير على موقفه الصارم بإشراك الاتحاد الاشتراكي لتكوين أغلبية حكومية قوية حسب منظوره، أم ربما سيحصل تفاهم وتقارب بين العدالة والتنمية وبين الأصالة والمعاصرة سيما مع ورود أنباء عن خروج إلياس العماري الخصم اللذوذ لبنكيران من العراك الحزبي، بعد تدوينته مؤخرا عن احتمال تجرده من مسؤولياته الحزبية وارتمائه في أحضان عمله المعشوق في المطبعة. هذا الاحتمال أو ذاك، سيضع حزب المصباح على المحك أمام قواعده وقد يعصف بشكل كامل بما تبقى من شعبيته المتآكلة، حيث سيفسر هذا التراجع والخنوع والخضوع باعتياد أتباع بنكيران للكراسي الوفيرة والكاتكاتات الرفيهة والسلطة الزائفة، وان زمن المواقف والمبادئ قد مضى وزمن “البيصارا”و”العدس” قد ولى، وان خدمة المصالح الشخصية والحزبية الضيقة هي السبيل والمراد، خاصة إذا لم تستطع الحكومة الجديدة على غرار سابقتها تحقيق تطلعات الشعب ومطالب العدالة الاجتماعية والعيش الكريم التي يرتضيها، لا سيما في خضم انعدام الثقة والتوجس الذي سيسود لا محالة مكونات الحكومة الجديدة المشكلة.

القبول بمقترح القصر لرئاسة الحكومة من جديد آو عدمه، قراران أحلاهما مر، وأي احتمال منهما قد تنتج عنه تبعات قد تعصف بابنكيران وحزبه، لتبقى الكرة في الأخير بيد أبناء المصباح ويبقى القرار حبيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية برلمان الحزب المزمع عقده يوم السبت 19 مارس المقبل، حينها سيختار البيجديون: هل يموت علي راجل آم سيموت …؟؟؟.

 

محمد ضباش

التعليقات مغلقة.