لمصلحة من يتم حصار الجمعيات المدنية بالمدينة ؟

 

 

تعاني جمعيات المجتمع  المدني بالجديدة من صعوبات في ممارسة حق تأسيس الجمعيات وتنظيم الأنشطة رغم دورها المحوري بالمدينة ، وتتمثل الصعوبات في امتناع السلطة الإدارية المحلية المختصة عن تسلم الملف القانوني للجمعيات ، أو الوصلين المؤقت والنهائي خلال مرحلة التأسيس من خلال فرض السلطات الوصية تصريح من دار الشباب او المؤسسة المستضيفة للجمعية باستضافتها ، إضافة إلى عرقلة الأنشطة من خلال المذكرة المشؤومة التي اصدرها رئيس المجلس البلدي للمدينة بمنع الترخيص لاستغلال قاعة الاجتماعات للبلدية قصد برمجة انشطتها علما أنها الفضاء الوحيد المتوفر في ظل غياب فضاءات اخرى بالمدينة، فمن يريد ابادة المجتمع المدني بالمدينة؟ .

ادا كانت حرية المواطن وقدرته على تجسيد اختياراته وتحقيق أهدافه بشكل تعاقدي مع آخرين، عند تأسيسهم لجمعية ما، بدون أي تدخل كابح لحريتهم، من طرف أجهزة الدولة وممثليها، هو حق لا مكرمة حسب دستور 2011.

ويشمل هذا الحق إضافة إلى حرية تأسيس الجمعيات، حرية الانضمام إليها أو الانسحاب منها، وحرية تبني أهداف معينة ووسائل خاصة لتحقيقها. فالحق في تكوين الجمعيات، يتجاوز المفهوم المختزل في كلمة “التأسيس”، وكأنه إجراء قانوني فقط، إلى حرية أوسع، تضمن للمجموعة المؤسسة حقها في تشكيل جمعيتها حسب اقتناعها وأهدافها واختياراتها. فيمكن اعتبار أي تأسيس لجمعية ما، مع تدخل للسلطة في شكل الجمعية أو في طبيعة أهدافها أو وسائلها أو شكل اشتغالها، مسا بهذا الحق الذي يغدو مغتصَبا ومنتقَصا، بفعل انتفاء شرط الحرية في جانب من الجوانب المتعلقة بتكوين الجمعيات. وهو للأسف، واقع ما عليه حال السلطات الإدارية اليوم، بل ومنذ عقود، في شكل تعاملها مع مشاريع تأسيس الجمعيات ببلادنا، فتبيح لنفسها حق التدخل في كل صغيرة وكبيرة تخص الجمعية في طور التأسيس، متجاوزة بذلك اختصاصاتها المتضمنة في القوانين التشريعية، المنظمة لعملية التأسيس بالمغرب، والتي تقتصر على ضرورة الاستجابة لرغبات المؤسسين، وتيسير عملية الالتقاء والاجتماع، تحريرا لإرادتهم وتحقيقا لرغبتهم.

وقد نصادف من بين فعاليات المجتمع المدني، أشخاصا أو مؤسسات، قد تقر بضرورة تدخل السلطات الإدارية في عملية التأسيس بالمراقبة والاقتراح والتعديل في لوائح المؤسسين وفي أهداف الجمعية، إلى غير ذلك من الأمور التي لا دخل للسلطات بها. وتحتج بدليل أن بعض التجارب قد يكون القبول بها وبالا على الوطن، أو أن أهداف المؤسسين لا تنسجم مع سياق المرحلة العمرية للمجتمع، أو لا تستجيب لاحتياجات السلطات أو النظام الحاكم… وقد تتطاول أفهامهم إلى مدى يعدون فيه أن بعض المواطنين المغاربة إنما هم إضافة غير مرغوب فيها، ولا تقبل منهم مشاركة في ثنايا المجتمع، ولا تسمح لهم بتأسيس الجمعيات أو الانخراط فيها. وفي الحقيقة فما قولهم وتطاولهم هذا، إلا قول بالنيابة عن إرادة الدولة، وخدمة مسبقة الدفع تبادل بها عطاء الدولة وكرمها لها.

ومما يزكي اشكالية التنظير والممارسة خصوصا بمدينة الجديدة فرغم التنصيص على حرية تأسيس الجمعيات واشتراط الإشعار كإجراء إداري فقط، دون شرط الحصول على الترخيص، تبقى الممارسة الميدانية معيارا واختبارا تؤكد عكس ما تنص عليه القوانين. فقد عرفت الساحة الجمعوية بالجديدة حالات لعرقلة السلطات الإدارية في إبداع أشكال احترافية للمنع، كالتهرب من تسليم ملفات التصريح، أو الإطناب في طلب نسخ الوثائق القانونية الغير مدرجة في مسطرة التأسيس، أو ترهيب المؤسسين ودفعهم إلى التنازل عن فكرة التأسيس واخر ابداع السلطات المحلية ضرورة الحصول على موافقة كتابية لدار الشباب أو للمؤسسة المستيفضة للجمعيات … مما يتعارض مع الارادة الملكية و مقتضيات دستور 2011 ومخرجات حوار المجتمع المدني ، و يفقدها الروح التي أزهقتها الإرادة الغير المفهومة للسلطات المحلية بالمدينة…

وادا كان  قانون تأسيس الجمعيات يعد حداثيا في فصوله، ويستجيب للمعايير الدولية فيما يخص تأسيس الجمعيات، لتنصيصه فقط على التصريح والاخبار عند التأسيس، فيمكن القول بأن أهم معوق يحول بين الموطنين الجديدين  وبين ممارستهم الحق الطبيعي في تأسيس والانخراط في الجمعيات، هو إرادة السلطات المحلية ومعه المجلس البلدي المنتخب(الذي كنا نتوقع منه ان يغير الوضع) ، ومن خلال مؤسساته الإدارية ، المخول لها وحدها بتسليم ملفات التأسيس، والتي تتفنن وتتقن فنون التماطل والإنكار والتبرير، وحيث يبقى المؤسس رهين مزاجية موظفي البلدية ، الذين يتجاوزون القانون في تعاملهم ويعوضونه بالاستجابة للمزاجية والعلاقات والهواتف في الترخيص لتلك الجمعيات او لهذه او دعم تلك وتجاهل هذه… لتصبح توجيهات صاحب الجلالة و القانون المنظم في هذه الحالة إلا حبرا على ورق، يزين المناسبات واللقاءات ، ولا يخدم إلا مصالح بعض الجمعيات التي لا علاقة لها بالمجتمع المدني بالمدينة.

ادا كان الفصل 12 من دستور 2011 الذي ينص على أن جمعيات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية تؤسس وتمارس أنشطتها بحرية في نطاق احترام الدستور والقانون، فان حماية هذا الحق من شطط بعض السلطات واجب على كل المتدخلين من سلطات وصية ومنتخبين ومؤسسات مدنية ، ففي الوقت الذي يتبلور حق تأسيس الجمعيات كحق جوهري لتفعيل دينامية الحركة الجمعوية لايزال بعض مسؤولي مدينة الجديدة يتتدخلون بشكل تعسفي وفي ضرب للقانون من أجل إجهاض هذا الحق بشكل أو بآخر، ليظهر على أرض الواقع أن التطبيق العملي لهذا الحق لازالت تعتريه عدد من الإشكاليات المرتبطة أساسا بفهم المقتضيات القانونية المنظمة لحق تأسيس الجمعيات، اضافة الى التضيق عليها من خلال منع المتنفس الوحيد لها (قاعة البلدية)….فهل يريدون ابادة المجتمع المدني الجديدي؟

حساين المامون

التعليقات مغلقة.