نموذج تنموي أم عطب سياسي؟‎

 

فجأة، أصبح النموذج التنموي المغربي سيئا، هشا وعاجزا. كان يكفي أن يشير الخطاب الملكي إلى كون هذا النموذج قد أصبح، غير قادر على الاستجابة للمطالب الملحة، والحاجيات المتزايدة للمواطنين، وغير قادر على الحد من الفوارق بين الفئات ومن التفاوتات. لكي تتحرر الألسن وتنطلق الانتقادات، ويتحول كبار المادحين إلى علماء اقتصاد ساخطين، ويصبح نقد نموذج التنمية رياضة وطنية يتبارى فيها المحللون وتتنافس حولها الأحزاب البئيسة، التي تحولت في حياتنا السياسية إلى ما يشبه “كيس الملاكمة”: هدفا لكل رغبات الصفع والتنكيل والركل .

في سياق مغربي سرعان ما يتحول فيه الحوار العمومي إلى حفلة فلكلورية مليئة بالتنطع والضحالة والنمطية، خاصة مع إعلام رسمي انتقل بنجاح خلال الأسابيع الأخيرة من قاعدة الرأي الوحيد إلى قاعدة الرأي الرديء، لا بد من الإشارة السريعة إلى بعض المحاذير المحيطة بالنقاش حول النموذج التنموي.

– من المهم تفادي تحول هذا الحوار إلى ما كان يسميه الراحل عبدالجبار السحيمي، بأغنية الموسم، حيث يصبح النموذج التنموي مرادفا للخواء ولكل شيء! وأن يصبح مجرد كلمة ميتة تُضاف إلى عشرات الكلمات التي لا تقول شيئا في معجمنا السياسي.

– من الضرورة تجاوز محاولة الالتفاف على الفصل بين الاقتصادي والسياسي، في مناقشة الأداء العمومي المرتبط بأسئلة التنمية، ذلك أن عجز هذا الأداء لا يتعلق فقط، بطبيعة الاختيارات الاقتصادية، ودرجة الانسجام المذهبي لمرجعيتها التأسيسية، ونوعية تنزيل هذه المرجعية، ولكنه يتعلق، كذلك، بقضايا الفساد، والرشوة، وتضارب المصالح، والتباسات الجمع بين السلطة والمال، وثقافة الريع، وتحول القرب أو البعد من دائرة النفوذ السياسي إلى محدد للوضعية الاقتصادية للمقاولين.

– من الواضح أن الإطار المؤسساتي ليس بعيدا عن سؤال خيارات التنمية، ذلك أن تقلص مساحات المسؤولية السياسية، وهامشية مؤسسات الرقابة والضبط، يسهل عمل المحميات الاقتصادية، ويدعم حالات غياب التنافسية.

– من المفيد الحرص ما أمكن على عدم سقوط الخطاب حول النموذج التنموي الجديد، في قالب الشعارات التي طالما أنتجت في إطار “التعبئة من فوق”، كمقولات لا تبحث سوى عن بناء شرعيات جديدة للنظام السياسي .

– من الملائم الانطلاق من الجواب عن هذا السؤال الأولي: هل يتعلق الأمر بالبحث عن إطار مرجعي للتدبير التقنوقراطي المحصن من المساءلة الشعبية، أم بصيغة استئناسية للنقاش العمومي لا تلغي مجال السياسة، كفضاء للتنافس الحزبي بين البرامج والاختيارات والرؤى؟

ذلك أنه من السهل تكليف نخبة من أمثال والعلو، الجعيدي، دومو، الكراوي.. بإعداد تصور حول هذا النموذج، أو إحالة الأمر رأسا إلى المجلس الاقتصادي الاجتماعي، لكن العطب المغربي الثقافي والسياسي -مع الآسف – أكبر من مجرد أفكار اقتصادية ألمعية !

التعليقات مغلقة.