تقارير سوداء للسنة 2017

تقارير سوداء للسنة 2017
أش واقع: متابعة

 

ليس من حق أحد أن يزرع اليأس، لكن ليس من حق أحد أن يغطي على فشل حقيقي بنجاح وهمي.

تحت هذا الشعار، علينا أن نودع عام 2017، فقد كان المأمول، أن تكون سنة 2017 تتويجا لعشرات المشاريع الكبرى، وسنة تنفيذ مئات البرامج المعلنة على الورق الحكومي، وquسنة تتويج فعلي لكل الآمال التي عقدت على مضامين دستور 2011، وتتويجا لمقاصد خريطة الجهوية الموسعة سنة 2017، كان المفترض أن تكون أيضا تتويجا لإصلاح قطاعات استراتيجية مثل التعليم والصحة العمومية.

وسياسيا كان المأمول أن تكون أيضا تتويجا لوعود وبرامج محلية وجهوية وزعت على ساكنة المغرب في الجبال والوهاد برسم انتخابات 2015، وتتويجا لنوايا انتقال ديمقراطي حقيقي برسم تشريعيات العالم الذي قبلهما.

فما الذي حدث يا ترى؟ وهل وفت سنة 2017 بوعودها لندع الحقائق تتحدث عن نفسها، ولنبدأ بالأهم إلى المهم:

في قطاع الصحة العمومية الذي يعتبر إلى جانب التعليم ذا رمزية خاصة، ليس فقط على نجاح أو فشل السياسة العمومية المتبعة ولكن أيضا على مستوى معايير السيادة الوطنية، وضعت خطة عمل سنة 2012، وكان المنتظر أن تؤدي إلى النتائج المتوخاة منها بمتم سنة 2016 وحلول 2017.

لكن سنة 2017 حلت علينا والوضع على ما كان عليه منذ إعلان “خطة العمل” إلى استيفاء أجلها المحتوم: 141 مستشفى، يقول تقرير لمنظمة مختصة أن 74 بالمئة منها لا تحمل من مستشفى إلا الاسم، والمختص منها على رؤوس الأصابع، ويشكو من غياب الموارد البشرية.

في حين يستوجب الحد الأدنى المتعارف عليه من قبل المنظمة العالمية للصحة 2,7 طبيب لكل ألف مواطن، فقد ودعنا سنة 2017 والبلاد لا تتوفر سوى على طبيب واحد لكل 1630 مواطنا، وعلى سرير واحد لكل 912 مواطنا، وممرض واحد لكل 1109 مواطنين.

نكتفي بهذا في قطاع الصحة العمومية إذ لا حاجة إلى إثارة علاقة العالم القروي بالصحة، ولا جودة الخدمة ولا مخرجات نظام راميد، ولا بقية مصائب القطاع.

وفي ضوء هذا، ولأجله ارتأت حكومة 2017، تخفيض ميزانية الصحة برسم الموازنة الجديدة بنسبة 2016 بالمائة!

في قطاع التعليم: رحلت سنة 2017 ويدها على عنق آخر الوزراء الأربعة الذين تعاقبوا على القطاع في العشرية الأخيرة، وطوى معها كل حديث عن مصير البرنامج الاستعجالي، وكتبت فيها النجاة لمن نهبوه.

وما بقي عليه هذا القطاع لا يعكسه الواقع الذي تلخصه التقارير ذات الصلة، والتي يقول واحد منها، إن 34 في المائة فقط من تلاميذ المغرب (المتمدرسون) يستطيعون بالكاد الانتقال من الابتدائي إلى الإعدادي والثانوي، ولكم متابعة القصة: كم ينتقل من هؤلاء الـ34 إلى التعليم العالي وأين يذهب من وصل منهم بعد ذلك؟

لن نتحدث هنا عن الاكتظاظ، ولن نتحدث عن “إصلاح المنظومة التربوية، ونشير فقط إلى أن سنة 2017 ودعتنا بإجراء حكومي، أيضا برسم الموازنة الجديدة يقضي بخفض ميزانية التعليم بنسبة 2.42 في المائة!

لكن دعونا نختم الحديث عن هذا القطاع بمصيبة أخرى في جواره أو مرتبطة به على الأصح، ويتعلق الأمر بالأمية.

فالسيد الخلفي الناطق الرسمي للحكومة أكد بعظم لسانه بأنها في حدود 30 بالمائة، ولا شماتة يا جيبوتي ومالي والصومال !

لنتذكر فقط أن الأمية بأقل من هذه النسبة المعلنة على لسان وزير في حكومة “الإصلاحات الكبرة” تكلف حوالي 1.3 من الناتج الدخلي الخام، أي قرابة 10,3 مليار درهم.

على مستوى الفقر، والمصائب لا تأتي فرادة، ودعتنا سنة 2017 و11 مليون مغربي “ينعمون” في الفقر المقدع “بدخل” لا يتجاوز في أحسن الأحوال 550 درهما، ولعل سنة 2017 اختارت أن توجعنا بعنوان معبر جدا عن هذه الحالة يتمثل في حادثة سيدي بوعلام، التي ودعنا فيها مع سنة 2017 حوالي عشرين سيدة من شهيدات الطحين.

وارتباطا بموضوع الفقر، تقول آخر التقارير المستقاة من استطلاع رأي، أن 93 في المائة من الأسر المغربية عبرت عن تذمرها من ارتفاع الأسعار في المواد الغذائية (وليس في أسعار السيارات و أو ما شابه) وإن 0.3 بالمائة من الأسر فقط تعتبر أن الأسعار في المغرب معقولة. وبالتأكيد، فالقارئ يعرف بنباهته من هي هذه الأسر المرتاحة التي تشكل 0,3 في المئة.

إن واقعا كهذا لا يمكن إلا أن تؤول فيه الأوضاع سوى إلى ما آلت إليه في سنة الوداع هذه: حراك بالريف تحت شعار “لا للحكرة”، وثورة عطش في بني ملال ومناطق أخرى عديدة وطلاق بين بني المواطنين والأحزاب السياسية، وثلاث خطب ملكية تندد بالفساد والمفسدين وبانصراف الأحزاب إلى مصالحها الخاصة وفشلها في تدبير الشأن العام وانعدام المصداقية، وبعد كل هذا زلزال سياسي وسلطوي، وتقارير سوداء للمجلس الأعلى للحسابات عن التدبير العمومية والجماعي والجهوي، وبإعلان قوائم بمئات المتابعين والمساخيط.

أما حزبيا، فقد ودعنا عام 2017 بحرب الصحون الطائرة في المؤتمر الوطني لحزب الاستقلال.

وبحرب حول “ولاية الفقيه” في حزب العدالة والتنمية، الذي انتهى من حديث مسهب عن شقة الناخبين في مرشحيه إلى عدم ثقة زعيمه في وزرائه.

وإذا كان هذان المؤتمران قد أسفرا عن إزاحة ما تعتبره بعض الأوساط بـ”الأكثر شعبوية”، فقد جاء بـ”زعيمين” جديدين من عالم الصقيع بما يبشر بتعطيل كامل الجهاز بحرارة في الجسم الحزبي وليصبح للمغرب بذلك أكثر من عصر.

أما على مستوى المؤسسات “الدستورية” الأخرى، فقد كانت سنة 2017 سنة إعلان “رسمي” بوفاة العديد منها، كما هو الحال بالنسبة لمجلس بن عمور ومجلس محاربة الرشوة وغيرهما مما يكتنف وجودة و”تدبيره” غموض لم تسلط عليه نقطة ضوء من أية جهة رقابة بما في ذلك برلمان الأمة، الذي وجع نسبة 2017، بالمناسبة، على وقع حرب في غرفته الثانية بين الرئيس وأعضاء مكتبه حول التدبير المالي.

بمعطيات وحقائق هكذا واقع، يودع المغرب سنة 2017 ويستقبل سنة 2018، في ظل حكومة طبيب نفساني، سيكون سر تماسكها في ضعف أطرافها، والرضى بالقدر والقناعة بالقليل، كما يقول السادة الصوفية والوفية منها براء.

بقلم: عبد الحكيم نوكيزة

التعليقات مغلقة.