الاتحاد المغاربي.. ماذا تبقى منه؟

حَلّت قبل أسبوع الذكرى 29 لإنشاء اتحاد المغرب العربي )17 فبراير 1989 ـ 17 فبراير 2018(، وقد جاء استحضارُ مناسبة التأسيس بلا طعم ولا روح، إذ باستثناء كلمات رسمية متبادلة، صيغت بلغة مُضلِّلَة، مفصولة عن واقع الحال تماما، أو بيان صادر عن الأمانة العامة للاتحاد في الرباط، تمّ تصفيف كلماته بلغة إنشائية عامة، وغير ذات أهمية أو قيمة واقعية، لم تحمل ذكرى هذا العام أي جديد جدير بالاستحضار، والاهتمام، والمتابعة.
قرأت بإمعان كلمة الرئيس “عبدالعزيز بوتفليقة”، الموجهة لملك المغرب، ورؤساء الدول المغاربية الآخرين بمناسبة حلول الذكرى التاسعة والعشرين، فاستغربت من نبرتها، وأشعرتني كلماتها وكأن منتجها يعيش في كوكب آخر غير بلاد المغرب. أما بيان “الأمانة العامة” للاتحاد، فيبدو أن من صاغ نصّه لا صلة له بواقع هذه المنظمة، أو لا يريد أن ينظر فعلا إلى حال الاتحاد، والوضع المحجوز الذي دبَّ في جسمه، وأعاق تطوره منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي.. لذلك، سيكون من العبث والضياع الاستمرار في تلويك مثل هذه اللغة، عند الحديث عن المشروع المغاربي، سواء خلال الأيام العادية، أو عندما تحل ذكرى إنشاء الاتحاد.. إن الواجب والمطلوب اعتماد خطاب جديد أكثر واقعية وجرأة، والاعتراف إما بموت الاتحاد ونعيه، والكف عن التمسك بمنظمة لم يعد لها وجود فعلي، نافع ومجد، أو تقديم نقد ذاتي عن العطب الذي ألم بهذا المشروع، والدعوة إلى صياغة رؤية جديدة كفيلة بإرجاع الثقة في البناء المغاربي المشترك، وإطلاق عمل مؤسسات الاتحاد بقدر من الفاعلية والنجاعة والإنجاز.
تتأسس الرؤية الجديدة للبناء المغاربي المشترك على فلسفة جديدة، وفهم مغاير لما دأبت النخب القائدة على ترويجه، والادعاء بصلاحيته، وتقوم بالضرورة على إرادة حقيقية وصادقة، نابعة من تقدير حقيقي لمصالح المجتمعات وحقها في تقرير مصيرها في قضية بناء الفضاء المغاربي المشترك. فحين أشارت رسالة الرئيس “عبدالعزيز بوتفليقة” الموجهة للعاهل المغربي قبل أيام إلى أن بناء المغرب العربي “خيار استراتيجي ومطلب شعبي”، وأن الجزائر “حريصة على النهوض بمؤسساته وتنشيط هياكله..”، فإن كلامه لم يشذ عما سبقته من تصريحات وكلمات على امتداد الأعوام الطويلة المنصرمة، وحتى حين أكدت رسالته على ضرورة “وضع رؤية واضحة واستراتيجية موحدة في عدة مجالات مثل التكامل الاقتصادي في شتى القطاعات”، فإن كلاما مشابها له وأكثر عمقا منه، عبر عنه العاهل المغربي منذ سنوات حين دعا إلى أهمية “إقامة نظام مغاربي جديد”، يتلاءم مع المستجدات الجديدة في المنطقة، أو حتى حين أشار في خطابه أمام الدورة الثامنة والعشرين للقمة الإفريقية، إلى أن نسبة التبادل البيني المغاربي هي الأضعف داخل خريطة التجمعات الإقليمية، إن لم تكن الضعيفة في العالم، حيث لا تتعدى 3 في المائة، بينما تصل في بلدان “CEDEAO” إلى 10%، وإلى 19% في “سادك” SADC. (…)
(…) تحتاج الرؤية الجديدة، كما أكد على ضرورتها قائدا المغرب والجزائر، إلى فلسفة جديدة مؤسسة على مقومات جديدة، وفي مقدمتها المصلحة المشتركة ووعي المجتمعات ونخبها القائدة هذه المصلحة، وتحديدها، ورسم خطط تحقيقها في مشاريع مشتركة، وكل هذا يتحقق بإطلاق حوار حقيقي بين الدول والمجتمعات المغاربية، والحوار من هذا النوع يتطلب وجود ثقافة سياسية مؤسسة على قيم الاعتراف والاحترام المتبادلين، والاستعداد التلقائي للبحث عن المشترك، ودرجة عالية من الوفاء بالالتزامات المتبادلة، والنزوع غير المنقطع للدفاع عن المصلحة المشتركة.. لذلك، يُشترط لتحقق هذه المقومات الناظِمة للرؤية الجديدة، القادرة على إخراج المشروع المغاربي من دائرة التوقف والموت البطيء، قيام النخب القائدة بخطوات جريئة، وتقاربات شُجاعة وأليمة إن اقتضى الأمر، لبناء الإرادة الجديدة، أي قوة الدّفع، الكفيلة وحدها بجعل المشروع المغاربي أولوية استراتيجية، وأفقاً لا مندوحة عنه لنقل الفكرة المغاربية من دائرة الوجدان، والأحاسيس، والشعارات غير النافعة، إلى حالة عامة من الوعي والإدراك الجماعي، والإنجازات الملموسة القادرة على تجديد ثقة المجتمعات فيها، ولحم الجهود من أجل الالتفاف والدفاع عن استمرارها.. دون ذلك ستذهب ذكرى، وتحل أخرى، ونظل مع الأسف، نلوِّك كلاماً يضر أكثر مما ينفع.

امحمد مالكي

التعليقات مغلقة.