المقاطعة.. وعي مجتمـــــــع

المقاطعة.. وعي مجتمـــــــع

 

تذكرنا حملة مقاطعة منتجات «حليب سانطرال»، و«سيدي علي»، ومحطة «أفريقيا»، والتي انطلقت قبل أسابيع ومازالت مستمرة إلى اليوم، بحملات سابقة لعبت فيها مواقع التواصل الاجتماعي دورا في التعبئة، مثل حملة شباب حركة 20 فبراير 2011، التي خرجت من العالم الافتراضي بعد سقوط نظام بنعلي في تونس، وأسفرت عن خروج مظاهرات والمصادقة على دستور 2011، والحملة التي أطلقها الشباب ضد إطلاق سراح دانيال كالفان، مغتصب الأطفال، في غشت 2013. القاسم المشترك بين هذه الحملات الفايسبوكية هو أنها خرجت من العالم الأزرق، وخلقت واقعا جديدا على الأرض، وهو ما يدفع إلى استنتاج عدة دروس.

أولها، أن المجتمع المغربي ينبض بالحيوية، وأن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت ملاذه الأخير بعد فقدان الوسائط الاجتماعية. الحملة أظهرت أن المجتمع يقظ، وواع، وأصبح يملك وسيلة لإيصال صوته عبر الأنترنت، لذلك، بدأت مقاطعة المنتجات عبر نداءات في مواقع التواصل الاجتماعي، ثم تطورت وأصبح لها أثر اقتصادي واضح. الرسائل عبر فايسبوك وواتساب انتشرت بسرعة بين الناس، وجرى تداولها عبر الهواتف، وانتشر خبر المقاطعة بسرعة كبيرة كالنار في الهشيم. وحتى الناس الذين كانوا مترددين، انخرطوا فيها.

ثانيا، تبين أن هناك استهتارا وقلة تقدير لدور العالم الافتراضي، من طرف المسؤولين، لذلك، بدل أن يلتقط هؤلاء الإشارة، في بدايتها، ويتفاعلوا مع مطالب الناس الذين أعلنوا المقاطعة، فإن العكس هو الذي حصل، حيث جرى التقليل من قيمتها باعتبارها حملة ستبقى حبيسة العالم الافتراضي ولن يكون لها أثر.

عزيز أخنوش، وزير الفلاحة، اعتبرها حملة في الأنترنت فقط ولا علاقة لها بالواقع، أما وزير المالية، محمد بوسعيد، فاستهزأ بمن أطلقوا الحملة، وسماهم من داخل قبة البرلمان بـ«المداويخ»، ومع الأسف، لم يتدخل أي برلماني من ممثلي الشعب لإعلان تحفظه على هذا الوصف، أو مطالبة بوسعيد بسحب ما قاله.

بوسعيد كان يهمه فقط إرضاء الشركات. أما مسؤول في شركة سانطرال، فزاد الطين بلة، حين اتهم المقاطعين بـ«خيانة الوطن»، وهي تصريحات كلها أججت حملة المقاطعة، وأدت إلى إطلاق آلاف التدوينات، وعشرات الفيديوهات التي تحث على الانخراط في الحملة. اليوم يمكن أن تزور أي محل تجاري، فيخبرك صاحبه بقلة الإقبال على «ماء سيدي علي»، و«حليب سانطرال»، أما محطات «أفريقيا»، فقد قل الإقبال عليها بشكل ملحوظ.

ثالثا، تظهر هذه الحملة مدى عزلة الأحزاب عن الشعب. فالمواطن بات يشعر بأن هذه الأحزاب لم تعد تعبر عن تطلعاته ومواقفه، ولم تعد تشعر بمعاناته، أو تدافع عن حقوقه الاقتصادية والاجتماعية. لكن هذه الأحزاب، أيضا، ضحية عمليات تخريب ممنهج تعرضت له بمعاول من الداخل ومن الخارج. وهذا وضع خطير، لأن الأحزاب، التي نص الدستور على أنها تتولى تأطير المواطنين، لم تعد تقوم بهذا الدور، بل بالعكس، فإن بعض مناضلي الأحزاب نصبوا أنفسهم مدافعين عن الشركات، ومناهضين لحملة المقاطعة.

رابعا؛ وسائل الإعلام العمومية تجاهلت حدث المقاطعة، وهذا ليس بغريب. أما الصحف والمواقع الإلكترونية، فإن القليل منها تفاعل مع الحدث وغطى المقاطعة.

أما البرلمان، فهو الآخر بقي بعيدا عن مناقشة الموضوع، ولم يبرمج في جدول أعماله مساءلة الحكومة حول تفاعلها مع حملة المقاطعة، أما الحكومة فأقرت، على لسان الناطق باسمها مصطفى الخلفي، بأن مجلسها، الذي انعقد الخميس الماضي، لم يناقش حملة المقاطعة.. كأن الأمر ليس حدثا مهما يستحق المناقشة

عبد الحق بلشكر

التعليقات مغلقة.