من الذي ينتج أفلام الرعب والعنف ؟!

ٱش واقع – خالد الغنامي 

في مسرح شكسبير كان العنف مجرد إشارة، يشير الممثل الذي يقوم بدور هاملت بالسيف إلى خصمه أو يلمسه به فيسقط، هذا كل العنف الذي كان يراه الناس في الزمن الأول.

مع مجيء السينما تغيرت الصورة كثيراً بحيث طغى العنف على الدراما كلها، بحيث تشاهد فيلماً مدته تتجاوز الساعتين، مع أنه بلا قصة، ليس هناك بناء درامي على الإطلاق، مجرد أناس يلاحقون آخرين ويطلقون عليهم النار ويرونهم قتلى. لعل المخرج السينمائي الأمريكي سام بينكباه هو أول من صوّر مشاهد القتل بالصورة البطيئة، ثم قلده في ذلك عدد لا يُحصى من المخرجين السينمائيين، ولعل الجالس على عرش هذا النوع من الأفلام هو البريطاني ريدلي سكوت الذي قدم للعالم فيلم Gladiator الفائز بجائزة أحسن فيلم لعام 2000 رغم أن البناء الدرامي توقف تماماً بعد نصف ساعة من بداية الفيلم ولم يبق إلا المبارزة بالسيوف في الحلبة، حيث يصوّر ريدلي سكوت الدم وهو يفور من الجسد بالصورة البطيئة، متيحاً بذلك مزيداً من الوقت للاستمتاع بهذا المشهد الشنيع.

القضية ليست مجرد متعة بريئة، بل إنها متعة لها تبعاتها السلبية. منذ سنتين، قرأت خبراً عن رجل في الولايات المتحدة مازح صديقه بالتظاهر بأنه أحد “الموتى السائرين” the walking dead فما كان من صديقه إلا أن أبرحه ضرباً حتى كاد يقتله، لأن ذلك الصديق صدّق أن هذا الذي يترنح في مشيته في جنح الظلام قد يكون فعلا يريد أن يأكله حياً، لقد ضيّق الخوف مساحة العقلانية هنا وصغرت مساحة الخيارات. مع ذلك، الأمر يتجاوز هذا، ويتجاوز أن تلك الصور الشنيعة ستُحفظ في الذاكرة وتظل تخطر ببال العقل الظاهر وتزعجه وتبقى مخزونة في العقل الباطن مستعدة للخروج في كل لحظة.

الذي يُنتج هذه الأفلام ليس سكوت ولا باكنباه، وإنما هو العقل الذي يقتات على المشاعر السلبية : مشاعر الخوف والغضب والألم. إنه عقل يفر من السلام الداخلي الكامن في أعماق كينونتنا، ويلهث دائما وراء إثارة تشعره بذاته. إن إنتاج هذه الصور العنيفة قد نتج عن هذا الإيمان العميق لدى العقل بأنه لا يتطابق مع لحظة الحضور الواعي، بل يتطابق مع صور من الماضي تبعث الحزن والغضب وأخرى من المستقبل تبعث الخوف. وفي جميع الصور هناك قلق متصل تحت الرماد.

ها هنا مشكلة كبيرة قد تبرز عندما تتطور الحالة، عندما يشعر الأنا فينا بأنه متطابق مع هذه الصور الشنيعة القلقة وبأنه ما نشاهده في السينما والتلفزيون يمثل حياتنا فعلا وأن القتلة وأكلة لحوم البشر هم نحن فعلا. التماهي مع هذه الصورة هي فيلم الرعب الحقيقي، وذلك عندما ننسى خيرية الإنسان أو نكفر بها. هذا النسيان قد حدث بالفعل وقد حان الوقت لحالة تذكرٍ أفلاطونية تعيد لنا الإيمان بالخير والجمال والمحبة والسلام الذي يبدأ داخليا ذاتيا ثم يتحول بالعدوى خارجيا موضوعيا. إذا لم تتغير هذه النظرة وتحدث النُقلة في وعينا الإنساني، فإننا سنستمر في إعادة بناء العالم كما بنيناه في السابق، عالم من صور العنف وأفلام الرعب التي نصحو وننام عليها في كل ليلة.

التعليقات مغلقة.