المقـــاطعـــــة ليســــت نبتة حائطية

المقاطعة المستمرة لأزيد من أربعة أسابيع لبعض المنتجات الاستهلاكية ليست فعلا معزولا عن سياق سياسي واقتصادي واجتماعي معين، فقط نحتاج إلى بعض الموضوعية لقراءة الواقع كما هو، لا كما يعتقد البعض أنه كائن..

هل يمكن فصل المقاطعة الشعبية عن مناخ سياسي معين مطبوع بنوع من الاحتقان، الذي تغذيه الفوارق الاجتماعية والتفاوتات المجالية وغلاء الأسعار وتراجع القدرة الشرائية للمواطن؟

هل يمكن عزل هذه المقاطعة الشعبية الواسعة والمتواصلة عن الحَراك، الذي شهدته مدينة الحسيمة والجماعات المجاورة، والاحتقان الذي خلفه أسلوب المعالجة المعتمد من طرف السلطات بعد اعتقال نشطاء الحراك وقادته الميدانيين؟ والمفارقة أن التعاطي الرسمي يؤكد أن هذه المنطقة عرفت اختلالات حقيقية، في إعداد وبرمجة وتنفيذ العديد من المشاريع التنموية في المنطقة!!

هل يمكن فصل المقاطعة الشعبية عن احتجاجات جرادة وانتفاضة شبابها للمطالبة بحياة كريمة تنتشلهم من آبار الذل و”ساندريلات” الموت؟ هل يمكن فصل هذا الفعل الاحتجاجي المدني عن النهاية المأساوية لاحتجاجات جرادة بعد محاكمة عشرات الشباب، ليس من بينهم الطفل عبدالمولى زعيقر (15عاما) الذي تعرض للدهس من طرف سيارة تابعة لقوات الأمن، والذي لازال يرقد بالمستشفى الجهوي الجامعي بوجدة، وهو مهدد بالشلل على مستوى رجليه بسبب خطورة إصابته في النخاع الشوكي؟

ألا يحمل اختيار مقاطعة ثلاثة منتجات استهلاكية أساسية بعينها أي دلالة سياسية؟ أليس من الممكن أن يكون هذا الاختيار هو تعبير عن رفض شعبي لزواج غير شرعي بين المال والسلطة ولاقتصاد الريع؟

الفرضية الأساسية التي تؤطر هذه الأسئلة وتشكل قناعة لدى كاتب هذه السطور، هي أن فعل المقاطعة ليس بسبب غلاء أسعار هذه المنتجات فقط، فغلاء هذه الأسعار ليس اكتشافا جديدا، لكن تفاعل العديد من المعطيات السياسية، هو الذي كان وراء تعكير المزاج الشعبي العام وخلق شعورا بالغضب والإحباط لدى العديد من المواطنين، وساهم في توفير الأجواء المناسبة لنجاح أكبر عملية مقاطعة في التاريخ المغربي.

هل يمكن فصل هذا الفعل الاحتجاجي الشعبي عن أجواء ضعف الثقة في العملية السياسية والانتخابية بعد ستة أشهر من “البلوكاج الحكومي” وإخراج حكومة من ستة أحزاب سياسية، لا تعكس الخريطة السياسية التي اختارها الناخبون؟ هل يمكن فصل قرار المقاطعة عن نفسية الإحباط التي يشعر بها كل من كان يحلم ببداية المصالحة بين المواطن والمؤسسات، عن طريق الصوت الانتخابي بعد إفشال مهمة عبدالإله بنكيران، الذي بنى أطروحته على ضرورة مصالحة المواطن مع الدولة وبناء الثقة في مؤسساتها؟

الرسالة الأساسية من وراء هذه الأسئلة، هي أن فعل المقاطعة ونجاحها وقدرتها على الاستمرارية، يؤكد بأن هذا الفعل الاحتجاجي المدني والسلمي ليس فعلا معزولا عن سياق سياسي واقتصادي واجتماعي معين، ولكن جذور المقاطعة اختمرت في العوامل السياسية التي سبقت الإشارة إليها.

إن ضعف الاستيعاب العميق لجذور هذه الظاهرة، يؤدي بالبعض إلى التسرع في الحكم على الناس ومحاولة إقناعهم بضرورة التخلي عن المقاطعة، انطلاقا من معطيات لا يمكن أن تكون محل تسليم ولا تصديق..

ينبغي أن نقتنع بأن الناخب العادي الذي يرى بأن تشكيلة الحكومة الجديدة لم تراع شعور ملايين الناخبين، الذين صوتوا في اتجاه معين وضرب بأصواتهم عرض الحائط يصعب عليه أن يصدق بأن الحكومة تدعو إلى وقف المقاطعة لأنها تفكر في مصلحة 120 ألف فلاح؟

إن هذا التوصيف لا يعني أنني أتبنى هذه القناعة، ولكني أرى بأن المقاطعة هي جواب سياسي رمزي له جذور سياسية واجتماعية واقتصادية وليس نبتة حائطية، ومن العبث التفكير في حلول ترقيعية بعيدا عن جذور المشكلة.

عبد العلي حامي الدين

التعليقات مغلقة.