النقاش الذي أثير أخيرا حول تعرض عاملات مغربيات موسميات بمزارع إقليم هويلبا، في جنوب إسبانيا، لاعتداءات جنسية، ما كان ليمر دون أن يثير نقاشا آخر، غير مسبوق، يتعلق بصناعة الاغتصاب التي تديرها مافيا مغربية-إسبانية، وتشارك فيها نساء مغربيات يبحثن عن معتدٍ أو مغتصب مفترض للحصول على مكتسبات اجتماعية يمنحها قانون maltrato (سوء المعاملة) الذي يضمن الحماية الكاملة للنساء ضحايا الاعتداء الجسدي أو الجنسي أو النفسي، حيث يمنع ترحيلهن من إسبانيا، ويمنحهن، في المقابل، راتبا شهريا وتعويضا عن السكن وامتيازات أخرى. والحكايات التي يتناقلها المغاربة المقيمون بمنطقة الأندلس عن نساء يبحثن عن أصحاب سوابق وعاطلين عن العمل لتعنيفهن مقابل مبالغ مالية وبضعة أشهر من السجن، أو يتربصن بأبرياء لرميهم بتهمة الاغتصاب، هي حكايات كثيرة وغريبة.

هذا طبعا لا يضع كل العاملات المغربيات بحقول الأندلس في سلة واحدة، فتعرض عدد منهن لاعتداءات جنسية هو أمر ثابت، ويشمل حتى العاملات الإسبانيات اللواتي تقدم بعضهن، قبل أيام، بشكايات مماثلة، وهو بقدر ما يؤكد وجود الاعتداءات، التي يحاول البعض، مثل محمد يتيم، نفيها، يؤكد أيضا أن الأمر يتعلق بحالات قد تزيد وتنقص، لكنها لا ترقى إلى ظاهرة عامة تتطلب الوقوف عندها ومعالجتها معالجة خاصة، بما يجعلنا نعتقد أن الـ17 ألف عاملة مغربية، اللواتي يشتغلن في حقول الأندلس، وصلن إلى هناك بناء على عقد بُنداه الرئيسان: الاغتصاب مقابل العمل.

لنكن صرحاء، إن اختفاء العديد من العاملات المغربيات بعد وصولهن إلى حقول هويلبا، بمدد قصيرة، وادعاء بعضهن الآخر –كذبا- الاعتداء عليهن جنسيا، أو تعريض أخريات أنفسهن لعنف إرادي… الغرض منه هو تجاوز الوضع الذي يهددهن بالترحيل إلى المغرب في أي لحظة، والبحث عن إقامة دائمة في أوروبا. وهذا شبيه، إلى حد ما، بالحيل التي كان يلجأ إليها بعض العمال والطلبة المغاربة، في عهد الحسن الثاني، للاستفادة من وضع لاجئ سياسي، رغم انتفاء أي صلة لهم بالسياسة، فتجدهم يختلطون لأسابيع بالمعارضين، ثم يقصدون السلطات المعنية في البلد المضيف، ويدعون أن رأسهم مطلوب للاختطاف أو الاعتقال في المغرب، أو الأشخاص الذين أصبحوا يتسللون، أخيرا، إلى سبتة ومليلية، ويدعون أنهم مثليون جنسيا، وأنهم مضطهدون من لدن حكومة وشعب «Homophobe». لكن وضع المثليين ومدعيي المعارضة السياسية مختلف عن مدعيات الاغتصاب، اللواتي تلحق ادعاءاتهن الأذى بنساء أخريات وبعوائلهن.

فيوم الأربعاء الماضي، تقدمت 131 عاملة مغربية بشكاية إلى الحرس المدني الإسباني، جاء فيها أن إدعاءات زميلاتهن تعرضهن لاعتداءات جنسية لا أساس لها من الصحة، وأن الغرض منها هو الحصول على وثائق الإقامة بإسبانيا، متهمات أحد الأشخاص بالاتصال بهن مرارا لدفعهن إلى تقديم شكايات كيدية بالاعتداء عليهن جنسيا من طرف مشغليهن أو غيرهم. المهم في الشكاية الجماعية هو قول صاحباتها إن «مدعيات الاغتصاب –كذبا- يشوهن صورنا في المغرب، ويتسببن لنا في مشاكل مع أسرنا التي قد تمنعنا، في المواسم المقبلة، من العودة للعمل في الحقول الإسبانية».

يوما واحدا بعد انتفاض هؤلاء العاملات ضد «صناعة الاغتصاب» التي تسيء إليهن وإلى أسرهن في المغرب، طلعت علينا جريدة «El Español»، يوم الخميس 7 يونيو، بعنوان كبير ومستفز يقول: «لقد جلبوا لنا هذه السنة عاهرات من المغرب».

إن اغتصاب النساء هو من أشد الجرائم قسوة وبشاعة، لذلك، قررت العديد من الدول إنزال عقوبة الإخصاء –المنافية لحقوق الإنسان- بالمغتصب، لكن اتهام شخص –كذبا- بالاغتصاب، هو جريمة لا تقل خطورة عن الاغتصاب نفسه، خصوصا إذا كان الواقفون وراءها يملكون السلطة، ويحركون «حريم التجريم» بخيوط خفية وظاهرة لاصطياد العصافير التي تغني فوق سريرهم فتزعجهم.

سليمان