كاينة ظروف … عاهرات في نهاية المشوار

تضع ما تبقى من ماكياجها الرخيص ، تتأمل وجهها في مرآة مكسورة ، تتأكد من ملابسها المهترئة ، ثم تقف على قارعة الطريق أو تقصد بار رخيص تعرض ما تبقى من اللحم الأبيض في بورصة الدعارة لمن يدفع ” دراهم معدودات ” تقيها برودة الجيب ، تعلم علم اليقين أن ” رحلاتها القصية ” صارت معدودة و قد قاربت مدة صلاحيتها الإفتراضية في عوالم أقدم مهنة في التاريخ على الإنتهاء و مغادرة ” العالم ” من بابه الخلفي دون ماتش إعتزال أو تقاعد مريح . مشهد من مشاهد متكررة، تختلف في الزمكان و تتشابه في نهايات البؤس و المجهول … كاينة ظروف .
” نعيمة ” ، امرأة اربعينية السن ، ستينية المظهر و الملامح ، غزا الشيب كامل شعرها ، و سكنت التجاعيد كلها الظاهر و الباطن ، لا تزال تحتفظ ببعض جمالها ” إيلا مشا الزين كيبقاو حروفو ” كما يقول المثال الشعبي ، تقول ” نعيمة ” و هي تستعيد شريط قصتها المؤلمة ،و قد إغرورقت عيناها بدموع ساخنة لم تستطع أن تحبسها ، كنت أستعد للزواج من إبن خالتي رغم عدم بلوغي السن القانونية لذلك ، لكن حدث ما لم يكن في الحسبان ، تعرضت للإغتصاب من طرف ولد شيخ القبيلة الذي لم يتقبل تفضيلي لابن خالتي عليه ، لم تتقبل أسرتي و أسرة زوجي المفترض الأمر ، طالبت برفع دعوى قضائية ضد ولد شيخ القبيلة لكن أسرتي تخلت عني بعدما تعرضت لضغوط و تهديد شيخ القبيلة و طردتني خارج القبيلة ” تغتاصبت جوج مرات ، مرة من ولد شيخ القبيلة و مرة من عند عائلتي ” ، تضيف ” نعيمة ” بحرقة . هاجرت للدار البيضاء عند إحدى قريباتي ” حي بوركون ” ، و كأن الأقدار تتآمر ضدي ، قريبتي ” قوادة ” ، تشغل أكثر من 17 فتاة في الدعارة أغلبهن قادمات من البادية ، لأجد نفسي بين نارين ، الشارع أو الدعارة ، قضيت ثلاث أشهر رفقة قريبتي داخل شقتها المعدة للدعارة دون أن أستجيب لطلباتها المتكررة ، كنت أغادر البيت صباحا بحثا عن عمل و أعود في المساء لأجد الشقة ” نايضة ” كما تقول ” نعيمة ” ، مملوءة بالزبائن ، لا تنتهي الليلة الحمراء حتى الساعات الاولى من النهار ، إشتغلت نادلة في مقهى ، ثم خادمة بيوت ، تعرضت دائما للتحرش من طرف رب العمل ، تنفث ما تبقى من سيجارتها و تقول بحسرة ، إستسلمت لطلب قريبتي بعد أن خيرتني بين المساهمة في مصاريف البيت أو المغادرة ، و غرقت في عالم الدعارة ، عشرون سنة في عالم الدعارة مرت كأنها لم تكن ” الله يغفر ليا ” ، تطفئ سيجارتها في المرمدة و تطفئ معها نار مشتعلة تقفز من عينيها الغارقتين في الحزن .
من جهتها ، أفرام ، نيجيرية ، ” عاملة جنس” كما قدمت نفسها،هاربة من الحرب و الفقر في بلدها نيجيريا ، إختارت المغرب قنطرة عبور نحو أوربا لتلتحق بزميلاتها في المهنة جنوب فرنسا ، لتؤمن لنفسها تقاعدا مريحا ، كما تقول ” أفرام “: ” سأمكث في المغرب إلى حدود إنتهاء الصيف لأوفر ثمن تذكرة السفر ذهابا لمطار أورلي، ثم أستقل الميترو المتوجه نحو مارسليا ،هناك حيث زميلاتي في إنتظاري ، تضيف ” أفرام ” ، في فرنسا يمكن تأمين تقاعد مريح خصوصا أن سنوات العمل في ” الدعارة ” باتت معدودة ، تختم ” أفرام ” ، ثم تغادر نحو وجهتها في إتجاه شارع أنفا .
من جانبها ،سكينة ” فتاة شقراء في بداية الثلاثينيات ، تتكلم لكنة شمالية ، إشتهرت بين زميلاتها ب ” سكينة الشهبة ” ، هاجرت بلدتها نحو مدينة مكناس لدراسة الإقتصاد بجامعة مولاي إسماعيل ، كلية العلوم القانونية و الإقتصادية و الاجتماعية ، تقول ” سكينة الشهبة ” ، كنت أنوي إكمال دراستي الجامعية و العودة للديار للبحث عن عمل ، أنحدر من أسرة فقيرة ، لم تستطع أسرتي مواكبة مصاريف الجامعة ، قررت العودة للمنزل بعد أن فشلت في توفير عمل مواز لدراستي ، لكن زميلاتي في الدراسة إقترحن علي أكثر من مرة ” كويرصات ” لتوفير بعض المال يساعدني على إتمام دراستي ، رفضت دائما ، كنت دائما أتعرض للتحرش و الابتزاز من طرف أساتذتي ” النقطة مقابل السرير ” ، تقول ” سكينة ” ، كان جمالي نقمة أكثر من نعمة ، أقمت علاقة مع أحد اساتذتي الذي كان يكبرني بعشر سنوات ، وعدني بالزواج مستقبلا لكن بعد ثلاث أشهر تم نقله لجامعة اخرى ، لم أجد ما يوفر لي بعض المال لإتمام دراستي فالتجأت للدعارة بعدما فقدت عذريتي ذات ليلة سوداء ، أدمنت السهر و الخمر و الحشيش ، تضيف ” سكينة ” ، حتى انني كنت أقضي شهر أو أكثر ثملة ” مبوقة ” دون توقف ، غادرت الجامعة بعد أن ساءت سمعتي ، لم اقدر على العودة لمنزل العائلة ، تستطرد ” سكينة ” ، قررت التوجه نحو الدار البيضاء رفقة اثنتين من زميلاتي ” المحترفات ” ، و أنا الآن في غياهب الدعارة حتى إشعار اخر ، تختم ” سكينة الشهبة ” .

أما، ” هند ” ذات 27 سنة ، مأساة تمشي على رجلين ، تناوب عليها 7 ” حيوانات ” كما تصفهم ” هند ” خلال ليلة واحدة ، بعد ان تم إستدراجها تحت التهديد بالسلاح الأبيض إلى منطقة خلاء بنواحي سيدي بنور لتجد نفسها أمام الموت أو إشباع الرغبة الحيوانية لمختطفيها السبع ، ” هند و السبع حيوانات ” ، هكذا علقت ” سكينة الشهبة ” بضحكة تخفي وراءها ألما و هي تسمع مرة اخرى قصة زميلتها ” هند ” ، حملت ” هند ” مأساتها بمفردها بعدما افرغ مغتصبوها كبثهم داخل جسدها البريء ، و لفظتها الاسرة خارج الدوار، إستقلت ” هند ” أول حافلة قادمة إلى الدار البيضاء ، ” كازانيكرا ” كما تسميه ” هند ” ، باتت ليلتها الأولى في محطة ” ولاد زيان ” ،ليلتها الثانية قضتها عند أحد ” الكورتيا ” الذي إستضافها داخل غرفته ، قبل أن تهرب من جحيم اخر ، تقول ” هند ” : ” كان يغلق باب الغرفة بالقفل ،ثم يغادر ، يعود ليلا سكران ، إغتصاب يومي مدة ثلاث أشهر أو ما يزيد ” ، قضت ” هند ” أكثر من نصف إقامتها في ” كازانيكرا” داخل أسوار سجن عكاشة بتهم الفساد و الضرب و الجرح و الإتجار في المخدرات .
جدير بالذكر ،أن ممتهنات ” الدعارة الرخيصة ” أغلبهن قادمات من بوادي هامشية للعاصمة الإقتصادية ، ينتظمن داخل شبكات بتراتبية و نظام صارم و ينشطن وسط المدينة في أماكن معلومة أو داخل شقق معدة للدعارة .

مامون خلقي

التعليقات مغلقة.