ثقافة الإسترزاق…بقلم الأستاذ “التباع الصديق”

ٱش واقع – مراسلة


ظھر في السنوات الأخیرة ظاھرة قد یعتقد الكثیرون أنھا صحیة، لكن التعمق فیھا
یبین ما تحملھ من مخاطر و سلبیات غیر بادیة للعیان، و تسيء إلى الوسط الذي نشأت فیھ،
خاصة و أن ھذه السلوكیات الغیر السویة ترتكب من لدن من یعتقد أنھم نخبة المجتمع وأمل
الأمة في النھوض والتنمیة و الاستقرار، وقد استفاد ھؤلاء من جو الحریة و تشجیع
الانخراط في المجتمع المدني، رغم أن شریحة واسعة من المنتسبین إلى ھذه النخب لا
تربطھم بالعمل الجمعوي إلا الخیر و الإحسان، فغالبا ما یكون الھدف من الانخراط ھو ملء
ملف السیرة الذاتیة ، كما أن البعض منھم یعتبر العمل الجمعوي وسیلة للاسترزاق المادي
والمعنوي، لینال بھ مكاسب مادیة مباشرة أو یتقرب بھ إلى المسؤولین لیفوز بالحظوة لدیھم،
وتنفتح أمامھ الأبواب التي تنغلق في وجھ عامة الناس، أضف إلى ذلك أن التنازع الملاحظ
المواطن. بین ھذه النخب یغلب علیھ تغلیب المصلحة الشخصیة على المصالح العلیا للوطن و
لقد تحولت بعص النخب من مدافعین عن قضایا ومصالح الوطن والمواطن، إلى
خدوم مطیع یعمل لصالح جھات معینة وبأثمنة بخسة تجعل منھ مجرد “بیدق” یخدم لحساب
أجندة خاصة ھدفھا الأسمى السمسرة والاسترزاق لمن یدفع أكثر.
فبعض ھذه النخب، لا یھمھم البحث عن مصالح المواطن بل یستخدمون شعار من
یدفع أكثر، فھم یقتاتون على فتات النزاعات الشخصیة والتھدیدات الملغومة بلغة الاستفزاز،
أو بالدخول في بعض النزاعات الضیقة بین طرفین من أجل تشویھ سمعة أحدھم دون
إعطائھ الفرصة للدفاع عن نفسھ، وھنا یلجأ إلى استخدام منطق تضارب المصالح واللجوء
لسیاسة مسح الأحذیة والتبرك بھا عند أسیاده وھذا ما نجد فیھ العدید من شبابنا الیوم
الطموح الى التسلق والتملق من اجل نیل المكاسب ولو بطریقة غیر شرعیة على حساب
الاخریین.
وفي إطار المقاربة التشاركیة التي تنھجھا الدولة لأجل تحقیق التنمیة المستدامة،
قامت الدولة بأشراك المجتمع المدني كآلیة للتأطیر والتوعیة وترسیخ قیم محاربة الفساد
وتخلیق الحیاة العامة عبر المراقبة والمشاركة في التدبیر والتقییم والمحاسبة، فارتقت
الجمعیات إلى مرتبة الناطق الرسمي للمواطن وأصبحت بذلك أداة فاعلة في إعادة الثقة
للمجتمع في تدبیر الشأن المحلي من خلال نھجھا سیاسة الوساطة بین الساكنة والإدارة
وتفاعلھا مع المواطن بالتعبیر عن مشاعره وتحقیق مصالحھ وخدمتھ.
لكن یبدو أن بعض من ھذه الاخیرة انحرفت عن مسارھا الحقیقي فتخلت عن الدور
المنوط بھا في تخلیق الحیاة العامة، والتي اعتبرت العمل الجمعوي الطریق السھل نحو
الغنى السریع، وافقدوا العمل الجمعوي قیمتھ ومكانتھ من خلال جمعیات صوریة وشكلیة
والتي لا وجود لھا الا على الورق، وبالقیاس الى الانشطة الوھمیة التي تقدم كأنشطة لتعزیز 

ملف المنحة، حیث اصبح الفضاء حقلا للاسترزاق من خلال الرقم الخیالي للجمعیات ، وھي
عبارة عن جمعیات خیالیة وصوریة خلقھا اشخاص من اجل الاستفادة من الدعم المخصص
للمجتمع المدني ، وكم من اشخاص لا علاقة لھم بالعمل الجمعوي لا من بعید ولا من قریب
استغلوا قرابتھم او صداقتھم بالرئیس او بأعضاء مجالس المنتخبة من اجل الفوز بدعم
مالي لنشاط ما لا وجود لھ على ارض الواقع، ویتضح ذلك عندما تتفجر بین الفینة
والأخرى في الجماعات المحلیة الحضریة والقرویة والمجالس الإقلیمیة والجھویة اتھامات
متبادلة بین المستشارین والمواطنین حول عدم تمویل جمعیات وتمویل أخرى بعینھا لكونھا
محسوبة على ھذا العضو أو ذاك أو الرئیس أو أقاربھ و زبنائھ أو متقاسمي المنافع معھ.
وغالبا ما تستعمل ھذه الأسالیب للابتزاز ونیل نصیب من ”البقرة الحلوب“ بل في العدید من
منحة نھایة السنة. الاحیان تصبحت الجمعیات المحامي المدافع عن المنتخبین من داخل تلك المجالس مقابل
وھكذا یتأسس الریع الجمعوي مادام الجمیع ینال نصیبھ، وحین یتم الإخلال بھذه
القاعدة تتحرك آلة الابتزاز حتى لا یتوقف صبیب ھذا الریع نحو الجیوب وخلق جمعیات
صفراء ومنحھا صفة المنفعة العامة وإغراقھا بالمساعدات المالیة، في مقابل التضییق على
الأنشطة المنظمة من طرف الجمعیات الجادة.
ان العمل الجمعوي لیس انتفاع واسترزاق وانما ھو نضال وتضحیة ووفاء وتواصل
مع المجتمع لمعرفة مشاكلھ وھمومھ والتوسط لھ مع مختلف المؤسسات لإیجاد حلول لكل
مشاكلھ، اما إذا كان العكس وأصبح مھنة لمن لا مھنة لھ فلا جدوى منھ وسیبقى نقطة عار
على جبین مدعیھ.
لكن ما استغرب لھ ھو تلك النخبة الشابة التي تتلون كتلون الحرباء في العدید من
المواقف حیث نجدھا في الامس القریب معارض الشرس الذي ینتقد للعدید من الاختلالات
والیوم یدافع عن اشخاص كانوا سبب في تلك الاختلالات؛ وربما غذا یعاود انتقاده لأن
حین كان ینتقده من اجل ھدف لفت الأنظار الیھ و مساومتھ، والیوم لم یعد الدفاع والتشبث
بالمبادئ و الصالح العام بل أصبح الدفاع عن اشخاص من اجل الاستفادة منھم أینما رحلوا
فھم معھم والأمثلة كثیرة على ذلك، بحیث ان بعض الاشخاص في مراحل من حیاتھم كانوا
یدافعون ضد فكرة ، والیوم من اجل تحقیق مصلحتھم فھم مع تلك الفكرة التي كانوا ینتقدوھا
نعمتھم. بل اكثر من ذلك من اجل تحقیق مصالحھم تجدھم ینتقلون بین دكاكین كلما انتقل ولي

التعليقات مغلقة.