“لاماب” والانتخابات المهنية

كثيرا ما توصف بين المراقبين بأنها تمثل الذراع الإعلامي للدولة، ولذلك فإنها معنية باحترام أخلاقيات المهنة الصحافية، واتخاذ مسافة واحدة بين الفرقاء، خصوصا في المحطات الانتخابية، وهي معنية بتجنب التحليلات «المخدومة» التي تنتصر لهذا الطرف أو ذاك بطريقة مكشوفة.

من حق بعض المعلقين أن يعتبروا أن تصويت الناخبين في غرف الفلاحين والتجار والحرفيين هو «تصويت عقابي ضد حكومة العدالة والتنمية»، ومن حقهم، وحدهم، أن يعتبروا أن هذه «النتائج تؤشر على تضرر مصالح الغرف المهنية من السياسة الحكومية خلال الأربع سنوات الماضية»، ومن حقهم أن يتماهوا مع سطحية تحليلاتهم إلى درجة الرجم بالقول إن «الانتخابات المقبلة في المجالس الجهوية والجماعية ستكون نتائجها لفائدة المعارضة على شكل ترتيب نتائج الانتخابات المهنية، وهي بمثابة مؤشر عما ستعرفه المراحل المقبلة من المسلسل الانتخابي»!

ومن حق التحليلات تحت الطلب أن تتجاوز حتى مواقف أحزاب المعارضة التي لم تتجرأ على القول إن نتائج هذه الانتخابات بمثابة تصويت عقابي لأحزاب الحكومة، وهي التي تدرك جيدا كيف حصلت على هذه النتائج وسط هيئة ناخبة محدودة، ومحكومة بمصالحها الفئوية بالدرجة الأولى البعيدة جدا عن أي رهانات سياسية.لكن هل من حق وكالة المغرب العربي للأنباء أن تخصص قصاصة كاملة لتصريحات أحادية تستهدف أحزاب الأغلبية والحزب الذي يقودها، دون أن تلتزم بقواعد الحياد والموضوعية التي تفرض عليها استدعاء رأي واحد مخالف على الأقل؟

الفرضية الأساسية التي تؤكدها هذه الواقعة الغريبة هي أن وكالة المغرب العربي للأنباء انخرطت بدورها في التشويش على الانتخابات القادمة بمعطيات بعيدة جدا عمّا يؤكده التحليل الملموس للواقع الملموس. ما أقدمت عليه الوكالة يؤشر على انحياز خطير لا يخدم نزاهة الانتخابات القادمة، ولا ينسجم مع الحياد المطلوب من طرف مؤسسات الإعلام الرسمي، ويدعونا للتشكك في خلفيات الاكتفاء بتصريح مطعون في علميته والترويج له وكأنه مسلمة من مسلمات التحليل السياسي. ويدعونا للخوف على سلامة العملية الانتخابية برمتها، والخوف على بلادنا من عودة التحكم بطرق جديدة.

ما يستنتج من هذه التصريحات، «الواثقة من نفسها جدا»، أن هناك طلبا ملحا على بعض «التحليلات» التي تقوم بوظيفة التنظير الاستباقي لإفساد العملية الانتخابية، ولو باستخدام «منهج الهرطقة السياسية» تحت غطاء علم السياسة.لا يمكن لملاحظ موضوعي أن يغض الطرف عن الدلالات الواضحة لنتائج حزب نجح في مضاعفة عدد منتخبيه بنسبة أزيد من 115 % في سياق تصاعدي تؤكد عليه نتائج النقابة المقربة منه، واستطلاعات الرأي التي تؤكد شعبيته المتواصلة.

صحيح أن حزب العدالة التنمية لم يكن مهتما بموضوع انتخابات الغرف المهنية بالجدية اللازمة، ولم يبذل من الجهد ما يكفي للانفتاح على هذه الشريحة الهامة، لكن مع هذه الاعتبارات الذاتية التي ينبغي للحزب أن يأخذها في الاعتبار، لا بد من الجزم بأن انتخابات الغرف المهنية تختلف تمام الاختلاف عن الانتخابات المهنية، كما أن قواعد الإعلام المهني الجاد تختلف تماما عن أدوات الدعاية السياسية الرخيصة.

عبد العلي حامي الدين

التعليقات مغلقة.