حضارة آسفي … في خطر


حاضرة المحيط اللؤلؤة والجوهرة النادرة ،مدينة السمك والخزف ،كانت حاضرة بقوة على مر تاريخها العريق، باسهاماتها على مستوى الحركة الثقافية ، تعاقبت حضارات عديدة،على تربتها الندية،على اعتبارأن مدينة آسفي كانت ممرا استراتيجيا، للرحلات والاكتشافات البحرية والبرية .وهذا الارث الحضاري والثقافي يتسم. طبعا، بالغنى والتنوع،ليس فقط على ما تحتويه من معالم ومآثر تاريخية، من قلاع وقصور وأبراج وكنائس وحصون وأسوار …،والتي تشهد بكل تأكيد ،على أصالة هاته المدينة ،بل على مستوى ما تزخر به من تراث لامادي، من فنون كالعيطة والملحون وفن النحت وفن التشكيل وفن الطبخ والطهي والأدب الشعبي …
ولا يمكننا أن نتحدث مثلا عن التصوف المغربي، دون الحديث عن شيوخ الحاضرة، وخاصة أبا محمد صالح والجزولي ، ولا يمكن ذ كر الكتابة التاريخية، دون الاشارة الى علامتها محمد العبدي الكانوني ،ولا يمكن أن تدرس أو تتعمق في الأدب الشعبي المغربي، دون أن تتعرف على الشيخ بن علي والشيخة خربوشة، وغيرهم من شيوخ هذا الفن الذين تركوا بصماتهم من خلال أعمال رائدة في الثقافة الشعبية المغربية المتميزة.أعلام وشيوخ ورجالات ورموزهاته المدينة العريقة ساهموا بكل تأكيد ، في بناء الثقافة المغربية في مستوياتها المختلفة و المتنوعة، وأزمنتها المتعاقبة ،لهذا فهي تشكل خلفية للتثقيف،ونموذجا لمغرب مصغر.
ويبدو أن التراث المادي التي تتوفر عليه مدينة آسفي سيختفي ،فقصر البحر يحتضر وسقط جزء مهم منه ،وبرج الناظور أصبح مكانا للأزبال والبهائم،أما الكنيسة البرتغالية تحفة فن العمارة القوطية التي تشبه فن بناء كاتدرائية نوتردام التي احترقت مؤخرا بعاصمة فرنسا باريس ،فهي اليوم في حالة كارثية ،سرقت أبوابها ونوافذها وجرسها وزليجها ،سقفها مهدد بالانهيار والسقوط في أية لحظة، وسط صمت رهيب ومريب .انها معالم يطالها التهميش والنسيان والاهمال الجسيم، في غياب الصيانة وعملية الترميم والاصلاح . فهل معالم ومآثر آسفي مهددة بالاندثار والزوال ؟
ولقد تم هدم مكتب البريد المتواجد في ساحة الاستقلال ،المعلمة التي كانت تحتزل ذكريات وأحداث ووقائع محفورة في الذاكرة الآسفية،وبدل ترميمها ،شيدت بدلها بناية جديدة ،لدر الرماد في عيون الغاضبين والمحتجين والمستائين.هذا علاوة على هدم الصقالة التي كانت عبارة عن حي سكني قديم، يتواجد به معمل لتصبيرالسردين، كما هدمت مدرسة النهضة العريقة التي أنجبت أساتذة ومحامين ووطنيين ساهموا بشكل كبير، في حركة المقاومة، ضد الاحتلال الفرنسي، بكل شراسة واستماتة.
و من المعلوم أن المعلمتين. طبعا، هدمتا لانجاز مشروع تهيئة الكورنيش الذي لم يكتمل لحدود الساعة ،لكن الغريب في الأمر، أن المشروع لم يشمل أية قيم فنية جمالية، ولا يحمل أية رموز أواشارات أودلالات أوبصمات لخصوصيات ومقومات، وهوية حاضرة المحيط الثقافية ،لكن الذي يثيرالانتباه ،ويشد الأنظارهي زرقة المحيط الأطلسي التي تراها أمامك ،نتيجة للضوء المنعكس من الماء، وتلك الدورالقديمة و المتهالكة والمتواضعة التي توجد خلفك .
والواضح أن مراقبة هذا الارث الثقافي المتنوع والمحافظة عليه، يعتبر أحد أهم مبادىء التنمية المستدامة،ويعتبر التراث اللامادي،، في نظر لويزة غاليز الباحثة الجزائرية، بالمركز الوطني، للبحث في عصور ماقبل التاريخ والانسان هو ((طاقة متجددة)) ما يستدعي تشجيع البحث والابتكار، في مجال حماية التراث اللامادي ،حيث لا يزال البحث في هذا المجال مهمشا ،ولايقتصر الأمر على حماية هاته المفردات والعناصر التراثية المادية واللامادية داخل المتاحف والمحميات على أهميتها . وانما البحث في قابليتها للتحديث والعصرنة، بعيدا عن تثبيتها في مغلفات جامدة للفرجة، وأخذ صور تذكارية عبر احيائها وتثمينها والتعريف بها ،ثم جعلها جزء من الواقع اليومي للانسان ،،بابراز القيمة التاريخية والحضارية لها ،والتأكيد على الغنى والتنوع الذي يتميز به التراث، وضرورة جمعه وتدوينه، والعمل على توظيفه في الخطط والاستراتيجيات التنموية …ان اغفال المكون الثقافي عند بلورة المخططات التنموية، من شأنه أن يؤدي الى نفور الناس، وعدم اندماجهم ،لتفعيل تلك الاستراتيجيات، خاصة اذا تعارضت، مع خصوصياتهم الثقافية المحلية …
والحال أن أن المحافظة على التراث المادي والتراث اللامادي، يتطلب أولا حملات توعوية تحسيسية ،وتدخلا من قبل مؤسسات الدولة، بدء بالمدرسة ومرورا بالمؤسسات الخاصة والعامة ذات الصلة، وكذلك الجامعة والمديريات أوالمصالح التي تمثل الوزارات ذات الصلة بالثقافة والتربية والسياحة، وانتهاء بالمجتمع المدني،وكل الفاعلين والمختصين والمهتمين وشرائح المجتمع .
محمد أبو المهدي : كاتب رأي

التعليقات مغلقة.