تابلاص ، خنينة ، با الجيلالي ، الغالمي ، عويمير ، لفضيحة.. وجوه كانت من ذاكرة مدينة الجديدة.

أش واقع ؟ | ذ.عبد الله الغيثومي:ذاكرة مدينة الجديدة.

كان عبدالله أتابلاص والجيلالي الأعمى والشريف ولد سيدي غانم وعويمير والتباري لفضيحة ، يمثلون جزءا من الذاكرة المشتركة لمدينة الجديدة ، فلأزيد من 50 سنة عرفهم أهل الجديدة بل واندمجوا معهم في حكايات وقصص ، يوم كانت المدينة قليلة السكان محصورة في مجالها الجغرافي بين سيدي بوافي أوالفالورة جنوبا وسيدي موسى شمالا ، كانت فعلا صغيرة يقول عنها أهلها بأن ريال ديال الجاوي يبخرها ، قبل ان تترامى أطرافها اليوم في جميع الاتجاهات بشكل متسارع نحو مدينة مليونية يصعب التحكم فيها. قبل 50 سنة كان سكان الجديدة يعرفون بعضهم البعض لقلة عددهم ، وكانت الحركة تسكن عند الساعة السادسة مساء ، حيث تبدو شوارع المدينة وأزقتها فارغة ، إلا من رجال شرطة نظير مامي وولد علال والزاوية والراوي ، ولاجودان العربي ، كان رجال الأمن يطاردونك لسبب أوبدونه كل من تأخر وراء السادسة وكأننا في نظام حظر التجول ، وهو النظام الذي يسري على الجميع ، لكن كانت تستثنى منه وجوه مألوفة تفتح المدينة فجرا وتغلقها متى أذنت الشمس بالمغيب ، ومن تلك الوجوه أصحابنا عبدالله أتابلاص وخنينة وبا الجيلالي والغالمي وعويمير والتباري لفضيحة ، وآخرون كالعلمي الدفاع والمختار بوريوك والمش المراني وبزيوة وقمامة ومويحيا وجوخا والأعرج غادي فكعان … ففيما يخص خنينة نسبة إلى شخص كان يتحصن بين المسرح البلدي ومركز البريد ، سمي كذلك لتساقطات دائمة من أنفه وكان الناس ينادون عليه بوخنونة ، دأب سكان الجديدة عليه بسروال طاي باس يحزمه تارة وأخرى ، كانت هوايته احتساء كحول الحريق بكميات كبيرة جدا ، وعندما ينال منه الكحول يسقط مغميا عليه بالشارع العام ، إلى أن يستيقظ على لغط أطفال صغار اعتادوا معاكسته ، ليسمعوا سبه لهم بكلمات من قاموس قلة العرض . وفي كل مرة يتجاوز خنينة حدوده ويصبح مقلقا لأمن وسكينة المارة وخاصة النساء الحوامل ، يعمد رجال الأمن إلى دعوته لقضاء ليلة أوليلتين في لاكاب بالكوميسارية المقابلة لمقهى دوفيل ، ويعود إلى نشاطه المعتاد متى أفرج عنه . وذات مرة ضاق الأمن ذرعا بتجاوزات خنينة ، وتقرر الاستماع إليه في محضر رسمي وتقديمه إلى العدالة ، شاع الخبر بين الناس وتقاطر عدد كبير منهم على قاعة الجلسات بالمحكمة الابتدائية بشارع الجيش الملكي ، وكانت الساعة الثالثة من زوال أحد أيام الله ، نودي على خنينة من طرف هيأة قضائية كان يتراسها قاض صعب المراس مقطب الجبين ، أذكر أن اسمه سمير ، وقف خنينة من مكانه وتقدم نحو قفص الاتهام والناس أبصارهم شاخصة وأعناقهم مشرئبة وأذانهم مصوبة نحو هيأة حكم قاسية لتلتقط منطوق الحكم الذي ستنزله على كلوشار المدينة .القاضي ما إسمك ، أنا خنينة ، القاضي إسمك الحقيقي ، راه كلت ليك خنينة وصافي الله يجعل البركة اسيالقاضي ، أنت متهم بشرب الكحول ، اخنينة آشنا هوا الكحول ، القاضي لالكول ، اخنينة واسي القاضي الله يعفو علينا وعليك نشرب لالكول واش أنا فورنو . تنفجر القاعة ضحكا عن آخرها بمن فيهم هيأة الحكم والقاضي سمير الذي لم يعتده الناس ضاحكا . تختلي الهيأة فيما بينها وتقرر تبرئة ساحة خنينة ، الذي ظل يردد “كال ليك كتشرب لالكول أنا فورنو”. يفرج عن خنينة ويعود إلى سكنه بزاوية من مركز البريد بوسط المدينة ، مرت الأيام وهو على حاله إلى أن استيقظ سكان الجديدة ذات صباح على خبر موت خنينة معلقا بشجرة بوسط المدينة ، هو حتما لم ينتحر وإنما قرر بعد أن لعب الكحول برأسه أن ينهي المبيت على الدص كما اعتاد على ذلك ، وعندما قرر أن ينام فوق الشجرة ، زلت رجلاه فانقلب راسا على عقب ، ومن سوء حظه أنه غصنا طائشا حبس أنفاسه ليغادر خنينة إلى مثواه الأخير بينما حزن الناس لفقدانه ايما حزن . الشخصية الثانية رجل كان يلبس كابة زرقاء اللون في القر شتاء وفي الحر صيفا ، يضع يديه خلفه كأنه يشيع عزيزا لديه وباستمرار ، كانت زاويته المفضلة مقهى باريس الأكبر الذي كان يملكه أحمد اليزال قرب المسرح البلدي ، الرجل كان إسمه التباري ولكن عرف لدى أهل المدينة بالتباري لفضيحة ، وهو لم يكن يقبل كلمة لفضيحة ، والتي كلما ذكرت أمامه أرغى وأزبد وأمطر قائلها بوابل من الشتم والسباب وكان شباب المدينة عندما يقتربون منه ، يرددون مقطعا من أغنية عبدالوهاب الدكالي ، إلى حاولت ننساك وجا غيري وداك هذيك هيا هذيك هيا لفضيحة ، وهي اللحظة التي يطاردهم فيها لفضيحة ، الذي بدأت تنطبق عليه نظرية بافلوف في المنبه الشرطي والاستجابة الشرطية ، لدرجة أصبح لسانه السليط ينطلق سهما متى سمع بداية المقطع المذكور إلى حاولت ننساك ، ويحكى مرة أن مقهى بوسط الجديدة كانت تطلق أغنية إلى حاولت ننساك ، وكان التباري جالسا بجوارها فسمع المقطع وانهال بالسب على عبدالوهاب الدكالي وظل هذا حاله إلى نهاية الأغنية .

الشخصية الثالثة هو با الجيلالي هو رجل ضرير جرت العادة أن تكون انطلاقته من حي القلعة ، بجلباب أسود ، يردد لازمته الشهيرة ها الجيلالي غادي بات بلاعشا ، كان الرجل مخلصا لمهنته التي يبدأمشوارها على الساعة السادسة صباحا من المحطة الطرقية التي كانت خلف المسرح البلدي قبل ان تنتقل إلى مكانها الحالي سنة 1980 ، يطوف كل المدينة ليقفل راجعا عصرا نحو نقطة انطلاقته بالقلعة الشخصية الرابعة الشريف الغالمي من سيدي غالم بأولاد عيسى وليس العوني كما يعتقد كثيرون ، الذي اعتاد أن يجوب المدينة طولا وعرضا حافي القدمين عاري الرأس ، كما هو حاله اليوم بالقرب من بوشريط . لما توفي با الجيلالي سلم شارة عمادة التسول إلى الشريف الغالمي ، الذي رغم أنه لم يعد قادرا على التجول لأنه بلغ من المشيب عتيا، فإنه يقتعد الآن الأرض بزقاق قرب إعدادية امحمد الرافعي ليؤكد للأصليين من سكان الجديدة إذا مات الجيلالي ها نحن على الدرب سائرون . الشخصية الخامسة ، عبدالله أتابلاص وسمي بهذا الإسم لأنه كان يردد كلمة أتابلاص وهو الذي تابع سكان الجديدة وزوارها ، صولاته وجولاته بشارعي محمد السادس الجامعة العربية سابقا ومحمد الخامس ، كان أتابلاص يتعارك مع خصم غير مرئي ، يسدد له ضربات باليد تارة وبالرجل تارة أخرى وعندما يتصبب عرقا ينادي خصمه الذي لا يراه إلا هو، أتا بلاص نتا باش عوعو ، كانت هذه لازمته التي ظل يرددها وحفظها أهل الجديدة عن ظهر قلب . وذات مرة وبمناسبة احتفالات رسمية وقرب المسرح البلدي ، كان الباشا مولاي الطيب العلوي ، يمر رفقة أعوانه ، فإذا بعبدالله توجه إليه ويصرخ في وجهه أتا بلاص تاباش أعوعو ، لم يرض الباشا بهذه الإهانة غير المقصودة طبعا ، فأمر رجال أمن فصفدوا يدي عبدالله ، وتمكنوا من شل حركته لكنهم لم ينجحوا في إخراسه ، عندما ظل يكرر أتابلاص تا باش أعوعو .أطلق سراح أتابلاص وعاد إلى عراكه الدائم مع خصم غير مرئي ، وذات مرة وبينما هو يسدد ضرباته إلى غريمه ، صدمته سيارة قادمة بسرعة ، وأردته أرضا ، انحبست أنفاسه وظنه الناس مات وانتهت معاركه ، لكن في مستشفى محمد الخامس أسعفه أطباء وممرضون ، واستفاق من غيبوبة مؤقتة ، وفتح عيناه وصرخ في وجه الطاقم الطبي أتا بلاص ، وهنا أدرك الجميع أن عبدالله حيا يرزق إلى يومنا هذا ، حيث شلت حركته بدواء مسكن ليعيش بقية أيامه إلى الآن بمنزل قروي عند أقارب له خلف ملعب الخيول للا مليكة .الشخصية السادسة والأخيرة با عمر أو عويمير كما كان يحلو لأهل الجديدة تسميته وذلك لقصر قامته ، عويمير مول الزريعة ، كان وحيد زمانه في هذه المهنة التي نافسه فيها فيما بعد مونتي كاو . عويمير كان من محبي الدفاع الجديدي ، يرافقه أينما حل وارتحل ، ويضرب في حله وترحاله عصفورين بحجر واحد ، تشجيع الدفاع وبيع الزريعة والكاوكاو . ويذكره الجديديون بملعب العبدي كما في الأونتراكت أمام سينما مرحبا وسينما ديفور، في صورته الموشومة في الذاكرة الجديدة بطاقيته المعروفة متأبطا سلته التي لا لم تكن تفارقه على الدوام

التعليقات مغلقة.