حوار مع الإعلامي والناقد المغربي عبد العزيز كوكاس .. تقييم مسلسل “لمكتوب” .. هل تجسيد دور”الشيخة” هو تطبيع معها ؟

ما قاله الداعية العمري إسقاط إيديولوجي فج على مسلسل تلفزي يحمل رؤيا قد نختلف حولها

 

حاورته: بشرى العمراني  

خلق موضوع مسلسل “لمكتوب” جدلا كبيرا، وبات مادة دسمة للنقاش، حول عرض مسلسل يجسد دور “شيخة” على قناة مغربية، للمتلقي المغربي، خصوصا خلال شهر رمضان، وما لهذا الشهر من قدسية في نفوس المغاربة، لغط كبير قسم الرأي العام المغربي، قيل وقال، تعددت التوجهات والمسلسل واحد.

لا تعتبر هذه المرة الأولى التي يخلق فيها عمل تلفزي درامي أو سينمائي مغربي، ضجة من هذا القبيل، بل مرت على الرأي العام المغربي مثل هذه الصراعات، التي تجاوزت بعضها المغرب لتحلق خارج حدود الوطن، ومسلسل “لمكتوب” لمخرجه علاء أكعبون، بمشاركة ثلة من من الممثلين المتألقين في أدوار البطولة، أمثال؛ أمين الناجي ودنيا بوطازوت وهند بنجبارة ومريم الزعيمي وسكينة درابيل، طرح العديد من التيمات الاجتماعية، كان أبرزها ” المعاناة التي تعيشها بعض الأسر، أو بعض الأبناء تحديدا مع بعض المهن التي يصنفها المجتمع دونية، وتجلب الإحتقار والعار لأصحابها وذويهم، كمهنة “الشيخة” وهي المغنية الشعبية في الأعراس المغربية، التي يتمايل على أنغامها العديدون، وتعتبر من الموروث الثقافي والفني المغربي، لكن للأسف أصبحت مصطلحا قدحيا، لصيقا ببعض النعوت والأفكار، بل هناك من يحصرها في خانة أبخس المهن.

تعددت الآراء حول المسلسل، وتعددت التوجهات، وانشقت عنها الايديولوجيات، فأبينا الا أن نأخذ رأي ذوي الاختصاص، ونناقش المسلسل من باب النقد الفني والدرامي، كي لا ننغمس أكثر في العشوائية والغوغاء، توجهنا الى الإعلامي والكاتب والناقد المغربي عبد العزيز كوكاس فكان لنا معه الحوار الآتي:

أثار مسلسل “لمكتوب” الذي يبث على شاشة القناة الثانية ضجة كبيرة .. ما هو تقييمكم لهذا المسلسل المغربي الرمضاني؟ 

يسلط مسلسل “المكتوب” الضوء على واقع “الشيخة” وعلاقتها مع ابنتها في إطار قصة بسيطة، لكنها محكمة البناء حتى حدود الحلقات التي رأينا، وهناك نجاح كبير على مستوى تقديم الصورة الفنية للشيخة في كافة أبعادها الاجتماعية والاقتصادية والفنية، لأن مشكلة الفنانين الذي يشتغلون في مجال الإخراج التلفزي والسينمائي، هو مشكل الصورة الفنية، بروفايل الصورة التي يتم نقلها من الواقع إلى الخيال السينمائي، فلا تنقصنا الكفاءات في مجال الإخراج التلفزي والسينمائي، كما يعج المجتمع المغربي بقضايا عديدة تصلح للتقديم السينمائي كمواد خام قابلة للاشتغال، لكن المشكل هو في الصورة التي نختارها للاشتغال عليها في أي عمل فني خارج التصورات التنميطية، والقيم الاجتماعية التي تحنط بعض النماذج الصالحة للتحويل الفني، من هنا نجح مسلسل “المكتوب” إلى درجة كبيرة في هذا الباب، وأنتظر النهاية ليكتمل حكمي على هذا المسلسل.. خاصة في ظل الحديث عن الجزء الثاني من هذا العمل.

أثار دور مهنة “الشيخة” الذي تقوم به الفنانة دنيا بوطازوت حفيظة المغاربة .. لماذا؟

يجب أن نحذر من إطلاقية الأحكام، فأن نقول إن دور الشيخة أثار سخط المغاربة يجب أن يستند إلى إحصائيات دقيقة تبرز فعلا أن المغاربة عبروا عن سخطهم، فهذا بعيد عن التحليل المستند إلى معطيات علمية، إذ يمكن أن أقول العكس لقد أعجب المغاربة بمسلسل المكتوب ولذلك ردوا بقوة على الداعية ياسين العمري وأقبلوا على مشاهدته بشكل غير مسبوق في الأعمال الدرامية التلفزية، هناك نوع من الشكيزوفرينيا في تقييم مسلسل “المكتوب”، من جهة تتم محاكمته في وسائط التواصل الاجتماعي، ومن جهة أخرى يحقق المسلسل أعلى نسبة من المشاهدة ! ولو أنني لا أحكم على نجاح فلم أو مسلسل من خلال نسبة المشاهدة، لأن الأمر فيه عوامل مختلفة تساهم في رفع نسبة الإقبال على عمل تلفزي دون غيره، وهناك مسلسلات تركية تافهة حققت نسب مشاهدة لدى المغاربة بشكل غير مسبوق حتى في بلد الإنتاج نفسه، ولكن أحاول أن أفهم ظاهرة ارتفاع المشاهدة والانتقادات الحادة، وكيفما كان الحال أعتبر الأمر إيجابيا وحيويا، فهناك نقد مجتمعي يقوم أحيانا بدور الحارس أو الرقيب في غياب النقد الفني.. وقد شد انتباهي هذا الهجوم على المسلسل وتسريب قيمة أجور الممثلين، وهو ما يعني أن وراء الأكمة ما وراءها، هناك من له مصلحة في تحريف النقاش عن مواضعه والإساءة عن سبق إصرار وترصد للمسلسل، الذي لا يمكن أن أحاكمه إلا بعد أن تنتهي كل حلقاته، فالأمر يتعلق بمسلسل، أي سلسلة حلقات فيها مشاهد مترابطة، هناك افتتاح وتقديم وحبكة وعقدة ونهاية، ولا تكتمل قراءتنا الحقيقية في غياب جميع العناصر الفنية للمسلسل بعد نهايته.

هل فعلا يعتبر تقديم دور يجسد مهنة “الشيخة” تطبيع معها؟

ولو أن تمثلاتنا المنحرفة عن الشيخة لا تعكس لا حقيقة وظيفتها الفنية ولا موقعها الاجتماعي، فإن تقديم أي مهنة أو ممارسة فنية، لا يمثل لا تحريضا ولا تطبيعا، بقدر ما يعكس رؤيا للمخرج لما يعتمل في المجتمع، انطلاقا من نموذج الشيخة، فالإنتاج التلفزي والسينمائي كما كل فنون الإبداع لا يحمل لا دعاوة أخلاقية ولا تبشيرية سياسية، إنه وجهة نظر المبدع، رؤيا فنية لقضايا واقعية، ومسلسل “المكتوب” ليس دليلا أخلاقيا، بل أذهب معك إلى أبعد من هذا، إذا قدمنا فلما أو مسلسلا عن قاتل استثنائي أو مغتصب للأطفال أو حكاية عاهرة أو لص منتحل أو ديكتاتور مستبد، وفق تصور سينمائي/تلفزي… هل يعتبر هذا تطبيعا مع مثل هذه الممارسات؟ ولو أن الشيخة لا تشكل نشازا في المجتمع ولا ضلعا أعوج، فالمغاربة ظلوا يحتفون بالشيخات وأعراسهم – وهي أحسن أيام عمرهم- لا تكتمل إلا بقراءة الطلبة للقرآن وحضور الشيخات أو اللعّبات، ومن منا لم يدندن في لحظات الفرح بأغاني الحمونية والحمداوية وفاطنة بنت الحسين وغيرهن. وكنا رفقة آبائنا وأمهاتنا نجلس إلى التلفاز كل سهرة سبت لنتابع الشيخات دون أن نُتهم بأننا نشجع الدعارة والعهر، فالشيخات جزء من موروثنا الفني، ويجب التمييز بين أدائهن الفني وتراثهن الباذخ في الغناء وبين السلوكات التي ألصقت بهن في المخيال الجمعي أو حتى في انحراف بعض “الشيخات” أخلاقيا، فلا يمكن أن نمنع الماء فقط لأن البعض شرق به ومات كما يقول ابن رشد.

ما هو تعقيبكم على تصريحات الداعية الإسلامي ياسين العمري بخصوص المسلسل؟

لا يدخل ما قاله الشيخ أو الداعية ياسين العمري في اعتباري، لسبب بسيط، لأنه لا يناقش المسلسل من زاوية فنية أو نقدية ضمن جنس إبداعي له خصوصيته ومراوحته بين الخيال والواقع، فوجهة نظره ذات طبيعة إيديولوجية وأخلاقية، فهو لم يناقش دور الشيخة والتمثلات القيمية والفنية كما وردت في المسلسل، وإنما يسقط عليها “دعوته” التي يرى من خلالها أنه يجب تقديم امرأة حافظة للقرآن بدل الشيخة، وهذا نقاش يقع خارج إنتاج الصورة والفيلم، ويدخل في باب لا يعنيني، لأنه يحاكم المسلسل من خارج بنيته ويسقط عليه تصوراته الإيديولوجية وخطابه الدعوي، وهذا ليس مجال لا النقد الجمالي/الفني ولا التقييم التلفزي. ولا أنشغل بالبوز كيفما كان مصدره. ويجب الكف عن الإثارة المجانية لا باسم الفن ولا باسم الدين.. ولا يمكن لأي أحد باسم أي سلطة أن يحدد للفنان والمبدع ما يجب وما لا يجب تداوله. فلا إبداع خارج الحرية، وبعد ذلك يأتي النقد البناء لا الذين يريدون رفع نسبة زوارهم على قنواتهم، أو يطمعون في احتلال مناصب الداعية والشيخ، صح النوم.. نحن أمام عمل فني خيالي. ولا يمكن محاكمته بخطاب تحريضي. في نهاية المطاف كل فكرة جوهرية تتجاوز سليمة جموع مؤيديها ومعارضيها على السواء، وإذا كان مسلسل “المكتوب” يملك مقومات مسلسل تلفزي حقيقي وعشقه المغاربة فإنه سيخلد بأي حال.

هل كان الموضوع سيتخد نفس المنحى من الاستنكار لدور “الشيخة” لولا تصريح ياسين العمري؟

أتساءل هل كان أحد منا سيسمع باسم ياسين العمري لولا تصريحه حول المسلسل، كل واحد خدم الآخر بصيغة ما، الداعية عرف بالفلم ومنحه شهرة أكبر ولو أنه كان يبغي التشهير به، والمسلسل أو بالأحرى تصريحاته حول “المكتوب” أعلت من سهم العمري.

كيف ترون الأعمال الرمضانية المغربية بشكل إجمالي، ما هو تقييمكم؟

تتفاوت الأعمال الرمضانية في تقديري بين الجودة والضحالة، بين الإسفاف والمحاولة على الأقل لتقديم عمل يمتلك بعض المقومات الفنية والجمالية، يمكن أن تلاحظي أن المغاربة كلهم يتحولون إلى نقاد سينمائيين كل شهر رمضان، يفقهون في السينما والتفلزيون وتحليل الأعمال الدرامية والغناء والمسرح.. و..، بالنسبة لي هذه الظاهرة إيجابية في جزء منها لأنها ترتبط بحسن تتبع الجمهور لما يقدم إليه، خاصة وأن رمضان هو أكبر شهر يتصالح فيه المغاربة مع تلفزيونهم ويتابعون الأعمال المقدمة فيه، ما لا يعجبني هو النقد الهدام، أوصاف مثل الحموضة، الرداءة، يمكن أن تتوقعها من الآن للأعمال التي ستقدم حتى خلال السنوات القادمة في مجال الدراما التلفزية، وهذا لا يعجبني، أكره التعميم والنقد الدجاجي والترياش والنظرة التحقيرية لذواتنا وما ننتجه في كافة المجالات من كرة القدم إلى التلفزيون، هناك أعمال تلفزية جيدة وأخرى حاولت وإن لم توفق أما التجار في الفن، فهذا لا يخلو منهم بلد ولا يخلو منهم زمان..

 

 

 

 

 

 

التعليقات مغلقة.