الإدريسي : لعبة المصطلحات في زمن الأزمات: بين التوصيف والتحوير

الإدريسي عبد المجيد – مقال رأي

في عالم الفكر والتفكير، تبرز الحاجة الملحة للتصحيح الفكري كخطوة أولى نحو التصرف السليم. لا يمكن أن نتوقع ممن يعاني من قصور فكري، أو تبعية فكرية، أو يخضع لبرمجة ثقافية جامدة، أو تواجهه عقبات فكرية متنوعة، أن يكون قادراً على التفكير الصحيح. مثل هذا الشخص سيكون معتمداً على الآخرين في توجيهه وحله لمشكلاته.

إن الظلم الذي تعرض له التحرر الفكري، وتعزيز التبعية للغير من قبل الأنظمة التربوية، قد خلق أزمة قيادة في الأمة العربية. في الأزمات، تبحث الأمم عن من يقودها نحو النصر. إلا أن مشكلتنا الكبرى تكمن في أن النقد دائماً موجه نحو الخارج، بينما الداخل يُعتبر مقدساً لا يجوز الحديث عنه. الفكر القوي هو القادر على الاستمرار في عصر العولمة الذي يشهد تسارعاً في الضخ الثقافي وتنوعاً في الأفكار. إذا لم يتغير الإنسان ويتطور، فسوف يندثر. لهذا، من الضروري العمل على تنمية القدرات الفكرية للإنسان ليتماشى مع متطلبات المرحلة ويحصن نفسه من الاغتراب الفكري والاستلاب الحضاري.

خلال الأزمات، يظهر دور المناعة الفكرية، تماماً كما يظهر دور المناعة الجسدية في مقاومة الأمراض. لقد صدق مالك بن نبي عندما قال: “إنه قبل كل استعمار هناك قصة شعب قابل للخضوع”. لذلك، فإن التسلط والدكتاتورية هما نتيجة للجهل وقلة الوعي، وانتشار ثقافة الخنوع والتبعية في المجتمعات. ما قيمة من يترك شخصاً آخر يفكر نيابة عنه ويقرر بدلاً منه؟

تلعب البرمجة الثقافية الجامدة دوراً كبيراً في توجيه العقول والقلوب، خاصة عندما يزداد تأثير الهالة على الأفراد، مما يمنح البعض نوعاً من القدسية التي تجعلهم يوجهون الناس ويحصرونهم في زاوية محددة تمنعهم من الرؤية الكاملة والتشخيص السليم الذي يؤدي إلى العلاج. هذا القصور في الرؤية يحصرهم في دائرة من الصراع حول القشور، ويجعلهم يغردون خارج السرب ويعيشون خارج العصر.

في أوقات الأزمات، تصبح لعبة المصطلحات سيدة الموقف، ليس من حيث التوصيف والتدقيق، بل من حيث الاستغلال والتحوير. كثير من الناس يستخدمون مقولات قديمة دون أن يكلفوا أنفسهم عناء البحث في صحتها أو صلاحيتها لهذا الزمان. كم من منتحر مات باسم الجهاد! وكم من منزلق انزلق باسم التقوى! وكم من مفرق فرق باسم الولاء! كل هذا ينحرف بنا دائماً عن لب الموضوع.

التعليقات مغلقة.