غنيمة حرب؟

أنا أبعد ما أكون عن النهج الفكري والسياسي لرئيس الحكومة عبدالإله بنكيران. ولكن لن أجرؤ بالذهاب إلى حد الجزم بأنه تدخل بشكل من الأشكال لصالح ابنته حتى تنال وظيفتها في الأمانة العامة للحكومة. كما أنني لا أستطيع، كذلك، تبديد الشبهة التي تحوم حول هذا “التوظيف”، وإن تم وفق القواعد المنصوص عليها مبدئيا (مباراة كتابية، ثم أخرى شفوية).
بغض النظر عما يثيره دخول ابنة عبدالإله بنكيران إلى الأمانة العامة كموظفة في الأنفاس الأخيرة من حياة حكومة والدها، من تساؤلات بريئة ومزايدات أقل براءة، فإن هذه القضية تثير، في تقديري، علاقة الكائن المغربي بالسلطة بمختلف درجاتها. وهي العلاقة التي تتسم بكثير من الالتباس، إذ يختلط فيها الخوف منها بالرغبة فيها، ويمتزج فيها النفور منها وطلب رضاها، ويتداخل فيها الشكوى الدائمة والمبررة من وطأتها والسعي إلى العيش تحت ظلها.
أثبت علماء الاجتماع عموما أن أبناء المتمتعين بالسلطة حتى في المجتمعات (سواء أكانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو حتى ثقافية ورياضية)، يتوفرون على حظوظ أوفر للحصول على مراكز ووظائف تدور بشكل أو بآخر في فلك الأوضاع التي يحظى بها أباؤهم. ولكن هذا لا ينفي أن هناك ضوابطَ أرستها هذه المجتمعات تكفل درجة معقولة من تكافؤ الفرص أمام كل أفراده الراغبين في شغل المناصب (خصوصا العمومية منها).
بيد أن الأمر أكثر تعقيدا في مجتمعنا. إذ يغمر الكائن المغربي إحساس بأن هناك هوة مافتئت تتسع بين من هُم في رحاب السلطة ومن هُم خارج أسوارها، وأن الجسور إليها قليلة وضيّقة للغاية. ويسود لديه اعتقاد راسخ بأنه لا يمكن العبور إليها إلا بـ”دفعة” من جهة ما، فحتى المباريات التي تنظم مثلا لولوج مختلف المناصب أو المدارس العليا العمومية (في الإدارة والقضاء) يعتبرها مجرد “واجهات” ليمر من خلفها بهدوء “المحظوظون”.
ولعل هذا ما يجعل الكائن المغربي الذي يجد نفسه في مكان له صلة بالسلطة (حتى لو كان مجرد شاوش مثلا)، يعتبره غنيمة حرب يجب عليه الحفاظ عليها وتوريثها لذريته، ويرى في ذلك ضمانا لاستمرار وجوده بها وإن غادر نتيجة الإحالة على التقاعد مثلا.
من جهتها، تعمل السلطة، من خلال منح “شرعية” ضمنية لهذا “التوريث” على ضمان ولاءات من هم في رحابها، وعلى ضمان استمرار دوران دمائها القديمة في شرايينها وأوردتها القديمة أيضا.

مبارك لمرابط

التعليقات مغلقة.