مئة يوم على تعيين رئيس الحكومة

مرّت مئة يوم بالتمام والكمال على تعيين رئيس الحكومة السيد “عبدالإله بنكيران” (10 أكتوبر 2016 ـ 21  يناير2017)، ومازالت مساعي تشكيل الحكومة المنبثقة عن اقتراع مجلس النواب مترنحة، غير واضحة المعالم، بل ومرتبكة بشكل لم يسبق له مثيل في ممارسة السياسة بالمغرب.. إنه العبث السياسي، كما وصف الكثيرون حال هذه الواقعة.

لعل من الاستطراد غير المجدي تكرار توضيح ما حصل لهذه المساعي وتبيان ما آلت إليه، أي الوضع المحجوز، أو “البلوكاج” بتعبير من يريدون التجني على اللغة العربية بإقحام مفردات غريبة عنها، وإنما المطلوب التفكير بصوت عال  في ما حصل، والتشديد على ما يمكن أن يترتب عنه من تكاليف سياسية واجتماعية، وربما أمنية.

أصبح ظاهرا الآن، وبشكل لا جدال فيه، أن ثمة سعيا حثيثا للالتفاف على منطوق وروح “الفصل 47″، والإجهاد من أجل إفراغه من مضمونه الصريح والواضح، أو بتعبير الأستاذة القديرة “رقية المصدق”، العمل على “التحلّل” منه، بكل ما تحمل كلمة تحلل من ثقل في اللغة العربية.. ووراء هذا الإجهاد والسعي والعمل، مراكز قوة متكاملة المقاصد وإن اختلفت في المسميات، وهي ليست على “ملّة” سياسية واحدة، بل متنوعة المشارب والخلفيات.. وفي هذا التوحد في الأهداف تواطؤ صريح لإعاقة استكمال البناء الديمقراطي بالمغرب. والواقع أن حدًّا أدنى من التفكير السليم والعقلاني يعطي الدليل على صدق هذا الاستنتاج، إذ كيف يمكن لحزب لا يتجاوز نصيبه من مقاعد مجلس النواب 37 عضوا أن يصبح قاطرة المشاورات حول تشكيل الحكومة؟ وكيف لحزب كان أكثر الخاسرين في الاقتراع الأخير، ولم يتجاوز عدد نوابه 20، أن يصبح متراسا لمجلس النواب، ويغدو رئيسه ثالث شخصية سياسية في البلاد؟ صحيح أن في الديمقراطيات الناجحة والراسخة يمكن لرئيس الغرفة الأولى أن يكون من المعارضة وليس بالضرورة من الأغلبية، وهو الحاصل في النظام البريطاني، حيث تسند كمهمة رئاسة مجلس العموم لشخصية من المعارضة ولا ترى الأغلبية في ذلك أي ضير من هذه الممارسة.. لكن شتان ما بين التجربتين الإنجليزية والمغربية، حيث تقضي الثقافة السياسية الديمقراطية في بريطانيا أن تكون الأغلبية الفائزة معززة بمعارضة قوية ومتكاملة معها.

المظهر الثاني للالتفاف على روح الفصل السابع والأربعين، أو السعي إلى التحلل منه، أن هناك سياسةَ الأمر الواقع، أي خطة جعل رئيس الحكومة المكلف بقبول الخيارات المشكلة أمامه دون تغييرها جوهريا.. فمن مؤشرات العبث السياسي المشار إليه في مقدمة هذا العمود أن الوضع المحجوز الذي عمّر أكثر من ثلاثة أشهر، أفرج بسرعة قياسية، فأسفر في ثلاثة أيام عن انتخاب رئيس مجلس النواب، وتشكيل اللجان ورؤسائها، والمصادقة بالإجماع على الميثاق التأسيسي للاتحاد الإفريقي.. والحال كان من الممكن القيام بكل هذه الخطوات، وهي ضرورية ومطلوبة، في زمن عادي وبإيقاع متوازن وطبيعي. صحيح أن الشق الثاني من الفصل الثاني والأربعين يعطي لملك البلاد صلاحية ضمان السير العادي للمؤسسات الدستورية واستمرارها واستقرارها، ويخوله تاليا اتخاذ ما يراه مناسبا لتحقق هذا الغرض.. لكن مرة أخرى كان بالإمكان تفادي هذا الوضع المحجوز وبناء التوافق حول استكمال تشكيل المؤسسات الناجمة عن اقتراع 07 أكتوبر 2016.

الآن، وبعد وضوح الصورة وحصول ما حصل، ما العمل؟

يهمني شخصيا في الإجابة عن هذا السؤال الحديث عن البدائل الممكنة  والمتاحة أمام رئيس الحكومة المكلف، لأن الاستراتيجية أو الاستراتيجيات الأخرى الموازية له، غدت واضحة ومرسومة المعالم، وإن بشكل ضمني.

لا أرى شخصيا حلولا وسطى أمام حزب العدالة والتنمية. فإما أن يذهب بعيدا مع الأحزاب التي ينوي التحالف معها، ويتوافق معها وفق ما تقترح وتطالب به، مع الحرص على المحافظة على الحد الأدنى من ماء الوجه.. ووفق هذا المشهد أو السيناريو سيكون موقعه ضعيفا وإن كان هو صاحب الأغلبية العددية، من حيث نتائج الاقتراع.. لأن العبرة هنا بسياسة الواقع لا بسياسة الأرقام. وإما أن يعلن بشجاعة عن عجزه عن تكوين الحكومة، وفي ظل غياب وضوح في الدستور عن الحل، يلتمس من جلالة الملك إعفاءه من هذه المهمة، ولملك البلاد إمكانيات دستورية كثيرة لإعادة ترميم الوضع.. الحجة في هذا أن بتوفق حزب التجمع الوطني للأحرار في تجميع 198 عضوا، وجلب الأغلبية والمعارضة إلى انتخاب الرئيس الجديد لمجلس النواب، رسالة واضحة لرئيس الحكومة المكلف.

ليس لديّ اقتناع كبير بأن حزب العدالة والتنمية سينحو المنحى الثالث، أي العودة إلى المعارضة، أهمها أنه حزب دخل منذ مؤتمر 2008 مدارا سياسيا جديدا عنوانه الأبرز التموقع داخل النظام السياسي وكسب ثقته بكل الوسائل، بغية التمكن من تقوية بناء ذاته، وجلب المكاسب.. ثم إن تشكيلته الداخلية تغيرت بفعل ممارسة السلطة خلال الخمس سنوات الماضية، وتذوق نعمها لدى بعض قيادييه، والإصرار بأي ثمن على المحافظة عليها.

التعليقات مغلقة.