واقعنا…. بين جدلية التحضر والتخلف

 

محمد لعرج :جريدة أش واقع

ارتآينا أن نفكِّر اليوم في طبيعة الإنتقال المعيشي، الذي عشناه كجيل ما بعد سقوط جدار برلين، و من خلالها نتوقّف على الفرق الحاصل بيننا، وبين صور العيش التي عاشها أجدادنا والبدايات الأولى من حياة آبائنا وأمهاتنا …
لاغرابة أن نندهش عندما كنّا في حضرة الإستماع لسلسلات القصص التي روتها جدّاتنا على مسامعنا في عز طفولتنا، أبت أن تخلوا من كلمات ” الغول والغابة والهيمنة والخوف ..” ولكن خلافاً لِـــمَا كنّا نعتقد فيهن، بأن الحكاية هذفها تخويفنا زرع الهلع في أكبادنا الصغيرة والحدّ من شغبنا. إكتشفنا بعد ذلك بأن العكس هو المقصود، فكان هذفهن الذي لم نعرفه حتى نضجنا، هو تربيتنا على فنّ تعلّم الإنصات والحوار، وكيف نبني الحُجّة، وكيف نُقنِع، وما إلى ذلك من فنون التحضّر التي نفتقدها اليوم، بل من الواجب علينا أن نعْلِن لبعضنا عزاؤنا تجاهها !
ما معنى هذا ؟ أي ما معنى أن يكون أجدادنا أكثر تقدّمية منّا في الوقت الذي ندَّعي فيه نحن جيل التقنية والتطور العلمي في بعده الضيق وجيل ” جِيلْ ديال الشْعر ” أننا ملكنا مفاتيح الحداثة فقط لأننا قادرون على الإبحار في العوالم الإفتراضية، والحقيقة أننا تنطبق علينا مقولة “ألآلات متطورة تحركها عقول متخلفة ” الالة ساهمت في صناعة جيل مشوّه من كل الجوانب، فترى الواحد يُمسي ويستفيق وجها لوجه مع ” آلة ” غير قادر نهائيا على الإبتعاد منها، ولوهنيهة ، فما بالك بأن يتخلي عنها ( اللهم إلى تقطع لكونيكسيون ).
إن ما يفتقده هذا الجيل، بالضبط ( ما يجعلُ منه تائه ) هو فقدانه لبوصلة الحياة ؟ والتي لن ولم يجدها وهو في غمرة التّيه بين عوالم إفتراضية غير قابلة بالمرة للتحقق ! شباب سلكوا طريق عالم إفتراضي وابتعدوا كليا عن واقعهم الحقيقي، فأجدادنا عندما كانوا ينحتون مصطلحاتهم – تلك التي يروين من خلالها قصصهم وحكاياتهم التي لم تنتهي بعد، بقدر ما انتهوا أنفسهم – فهم لا يخرجون عن عالمهم ولا يتقمّصون هويّات غيرهم ولا يكثرون بثاتاً أن يقفزوا على واقعهم، وهم بذلك سعداء بل وغاية في السعادة، وهذا طبيعي جداً لكونهم لم يتخلوا أبدا عن معيشتهم البدوية البسيطة وما تمُدُّهم الطبيعة من عوامل للحياة على المقاس.
من هنا تبيَّن لي أن جيل البصْمة حاول أن يعيش خارج إطاره ويقفز على ظلّه ويتخطّى ما هو واقعي نحو ما لن يتحقّق “الافتراضي “، وفضّل العيش بلا بوصلة في عوالم يحاول أن يتوهمها أنها حقيقة، ممّا جعل منه جيل، نقول عنه باختصار : شكلاً ينتمي للقرن الحادي والعشرين، وجوهرا “فكراً” لا زال شبيه بأناس البدايات الأولى التي عاشها الكائن البشري. كيف لا ؟ وتجد اليوم شاب(ة) ذو مستوى دراسي متدني يستعمل أخر صيحات الهواتف الذكية، يلبس أخر ماركات الساعات اليدوية ( مع العلم أنه لا يهتم بقيمة الوقت بتاثاً ). تجده غير قادر على ان يخلق أدبيات الحوار وما يقتضيه العيش المشترك، من ضرورة تجاوز لأشكال العيش المنغلقة كالقبيلة، خاضع للعقل الجمعي، وغير قادر على المساهمة في بناء البيت الإنساني الكوني الذي نسكٰنه جميعاً.
هكذا تفوّق أجدادنا علينا وتأخرنا نحن عن القافلة التي يقودها الغرب، وبقينا/ فضلنا، أن نمارس وجودنا في آلاتنا المخرّبة لنا معتقدين خطأ أننا “متحضّرون”

التعليقات مغلقة.