ترامب: “حسبنا الله ونعم الوكيل”

ترامب: “حسبنا الله ونعم الوكيل”

عبد اللطيف 

يبدو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لم يجد حلا لمشكلته الداخلية عبر تصديرها إلى الخارج، فاختلالاته الانتخابية الناتجة عن علاقاته بالنظام الروسي، والتي كان بطلها نجله تعتبر حاليا من أبرز التسريبات التي هزت الثقة في الرئيس الأمريكي، ما خلق له مشكلة مؤسساتية داخلية، تولدت عنها انزعاجات عميقة لدى الشعب الأمريكي في الآونة الأخيرة، جعلت ترامب يبحث عن خلق غطاء سياسي لطمس معالمها.

وإذا كانت أحسن طريقة للتخلص من أي مشكلة هي تصديرها نحو الخارج، فإن ترامب قرر هذه المرة، بل لأول مرة في التاريخ أن يقوم بصفته رئيس دولة، بتحديد عاصمة “دولة” أخرى، إن كانت إسرائيل دولة فعلا.

فبعدما كان العالم كله شاهدا على أن الحكومة الصهيونية تقوم باجتماعاتها وتستقبل ضيوفها الكبار في تل أبيب، قررت أمريكا بقيادة ترامب اتخاذ قرار لدعم الدولة الصهيونية، من خلال تغيير مقر العاصمة من “تل أبيب” إلى “القدس”، أي تغيير عاصمة إسرائيل بقرار أمريكي لا بقرار “الدولة” العبرية، وذلك في انتهاك سافر لحقوق الشعب الفلسطيني ، وضدا على توجهات المجتمع الدولي.

في الواقع إن القرار الأمريكي تحكمه الوضعية السياسية التي يعيشها ترامب، نتيجة تلك العلاقة التي تهم المرحلة الانتخابية بالنظام الروسي، وإن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، هي إشارة إلى اللوبي الصهيوني قصد استمالته إلى صفه، غير أن ذلك اللوبي نفسه له مصالح وحسابات، كما أنه معروف عليه عدم الثقة في ترامب نفسه، أو كما قال أحد قادة هؤلاء اللوبي، إنه لا يمكن الثقة في ترامب لكون هذا الأخير ليس رجل سياسة، ولكنه رجل تجارة، إذ هو صاحب نظرية الربح والخسارة الذاتية فقط.

وأما نحن العرب، فيمكننا بعد هذه الصدمة أن نلتقي ونشجب ونندد بقرار ترامب، بل قد نشتم حتى أمريكا، وفي أقصى الحالات قد نقبل بالمظاهرات الشعبية، بينما ترامب يذهب بعيدا لأنه فقط، يملك زمام الاقتصاد الدولي، ولا أحد يستطيع أن يقاطع أمريكا اقتصاديا ولا سياسيا.

أما أوروبا، فقد اقتصر تحركها على بعض دولها القوية، ولكن بشكل محتشم، في حين لا يزال العالم العربي يلعق جراحه، ويعيش مشاكله الداخلية، ولا قدرة له على التحرك، والنتيجة كانت هي أن أطفال فلسطين وشيوخها ونساءها كانوا كما عودنا التاريخ أكثر شجاعة من الأنظمة العربية بعدتها وبعتادها.

وأما إفريقيا فلا ننتظر موقفا منها، بسبب كثرة أزماتها الداخلية، وبسبب اختراقها من طرف إسرائيل منذ زمن، إذ جل الأنظمة الإفريقية التي أنشئت بعد المواجهات التي عاشتها دول البحيرات الكبرى وانقسام السودان والمواجهات الداخلية لبعض الدول الأخرى في التسعينيات، لم تسلم من مكر الوجود الإسرائيلي في المنطقة وتأثيره على مجريات الأحداث، ما خلق وضعا سياسيا صعبا، جعل تلك الدول خارج معادلة الصراعات الدولية، وخاصة الصراع العربي الإسرائيلي.

لهذا فالمهم بالنسبة إلى ترامب هو أنه سيضع سفارة بلاده في القدس، وبالنسبة إلى الصهاينة، فسينقلون عاصمة “بلادهم” الغاصبة للحق الفلسطيني من تل أبيب إلى القدس، وأما العرب فسيشجبون وسينددون، وسيبقى الفلسطينيون وحدهم من يدفع ثمن الحماية والدفاع عن الأقصى من بطش الصهاينة، وأما الشعوب العربية ومنها نحن طبعا، فسنغضب، وسنتظاهر، وسنهدأ بعد ذلك، لنرفع أكفنا للعلي القدير وندعوه ونناجيه “حسبنا الله ونعم الوكيل”، وهذا ما نستطيع فعله.

التعليقات مغلقة.