عبد الله عز يكتب : روبير دينيرو في الحانة

تحت ظلال ليلة حمقاء باذخة، وبنصف ابتسامة ماكرة، استيقظت بهالتي الصفراء محنطا، كأني خرجت توا من قبر دراكولا ….ببطء، وبدون ادراك مترنحا، جرني الشبشب إلى الدش .

جددت صحوتي بالماء البارد، حينها كان الانشراح يستقبلني بغمزاته «الكاس تنتظرك يا صديقي لا عليك، لم تأت إلى مراكش إلا لذلك “ـ

مراكش صيفا، امرأة متبرجة بأدوات زينة رخيصة، تستعير زاداها من الجمر والنار، وتصب حقدها صهدا أخرقا .. .إذا كانت جهنم هي جهنم ، فمراكش هي بابها الخلفي الحارق !

أصبحت أهوى تفاصيل شوارعها هذه الأيام، وبعد تمزيقها أعود ثانية، وأخيطها بمزاجي. في إحدى الزوايا القريبة لماكدونالد، كادت قدمي أن تطأ كومة من البزار شبيهة بتل صغير، وضعها صاحبها في عجالة من أمره .

تخيلت الوغد متلبسا كما هو… صراعه المرير مع بنطوله، جلسته القرصفائية القاهرة، وانسلاله منفلتا كطيف هارب مثل جرثومة قذرة تبتسم بخبث .

كنت أمشي بخبل، وعقلي طائر، وبعدما تعبت توجهت إلى أقرب حانة. كان القوم هناك، يقهقهون ويشربون ويثرترون. دخلت معهم في المعمعة، وبدأت أسب .. إنها علامة الساعة، قلت، وقال أحد القوادين، وهو مخمور ….. الله يمهل ولا يهمل، ختم الملعون كلامه، وهو يبكيمردداً آية كريمة لها علاقة بالرحمة والتوبة وهو يعب ٠

اقتربت مني إحدى العاهرات. بدت لي ربما مريضة بشيء ما. طلبت مني أن أقدم لها بيرة على حسابي.أجبتها بأنني عاطل، وعليها ان تبتعد…

قالت لي: ،إنك تكذب يا ولد الق…. يا ولد …”

أجبتها ،اذا لم تذهب، سأكسر لامك أسنانك … أنا كذاب ٠

بدأت تسب وتلعن وتذرف الدموع.

قلت كان عليك تكلمني بأدب…. بقليل من الاحترام٠

ردت وهي تمسح دموعها. كان عليك أن لا ترد بتلك الطريقة، فمهما كان فأنا امرأة طلبت بيرة… قالت لي تعالى نجلس في الطاولة الفارغة هناك … تبعتها، وجلست. نظرت إلي، وهي تبتسم ماذا تشتغل ؟

أخوك معلم، منفي في إحدى المدارس النائية، وبما أننا في فصل الصيف،أعتبر نفسي عاطلا ٠

عندما ينظر إليك أحدهم، وأنت تسب بتلك الطريقة، يعتقد أنك أحد رجال العصابات الخطيرين، تماما مثل دونيرو في أحد أفلامه ٠

إذن، فأنا في نظرك ممثل ؟

لم أقل أنك ممثل، بل تشبه دونيرو عندما يتقمص شخصية وحش .

علينا أن نكون وحوشا في بعض الأحيان، خصوصا إذا كان الأمر له علاقة بالكرامة .

قالت، وهي تبتسم،إنك فقط حساس بعض الشيء، طلبت قنينة من النبيذ الأحمر، واستأذنتها اذا كانت تتحمل مرارته٬ أجابتني .

يمكن أن أشرب معك في هاته اللحظة السم القاطع … اسقني ولا تفكر.

إذن تعشقين السينما ؟

كثيرا ما أذهب إليها خصوصا في الأوقات الصعبة .

هل تتذكرين روبير دونيرو في تاكسي درافير، وهو يستعد أمام المرأة، وهو يردد ذلك المشهد الذي لا يصدق

c’est àmoi que tu parles

وفي أحد افلامه أيضا….. هل تتذكرين عندما أخذ عصا البيسبول، وبدأ يضرب الخائن بكل قوة، و الدم يتطاير على ملابسه، وفي كل الاتجاهات…إنه فعلا وحش رائع .

ما اسمك؟

زنوبة وأنت؟

إدريس

اسمعي زنوبة إن روبيرلو لم يكن ممثلا،لأصبح الآن أحد أكبر رجال العصابات قوة، ونجاحا في العالم، وأكثرهم وحشية وسفكا للدماء، صدقيني لقد خلق لكي يكون وحشا وليس ممثلا.

ربما قد يكون رجل مافيا، ونحن لا نعلم. يهرب الكوكايين من أدغال كولومبيا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ويساهم بذلك في تدمير الضباب الأمريكى دو الأصول الافريقية

ربما ؟

كنا نتكلم عن السينما، وعن الوحش، ونشرب. امتلأت الطاولة بالقنينات الفارغة . سكرت، وبدأت أقهقه، وأنا اتخيل نفسي وحشا يجلس مع عاهرة تحب السينما في إحدى كازينوهات لاسفيغاس. عاهرة جميلة، غبية ومدمنة .

الوغد المخمور بدا يصرخ من جديد، وينتف شعر رأسه . بدأيكلمنا عن عذاب القبر وعن يوم الحشر. توجهت إليه بدون وجل، وأنا مستعد لأهشم رأس أمه. صرخت في وجهه: عليك أن تسكت…إنك سكران وتخرف .

وبدون أن انتظر الرد أخدت قنينة النبيذ الاحمر الفارغ، وبكل قوة هويت على ابن العاهرة الذي لا يتوانى ولا يخجل من ذكر الكلام المقدس في مكان مملوء بالقذارة والنجاسة ليثير عطف الآخرين، حتى ينوبون عنه في الاداء ويربح قنيناتإضافية. ابن العاهرة يبيع كلام الله ليسكر..

قال أحدهم : آصكع قفرتيها. أجبته مثل دونيرو الوحش تماما

c’est àmoi que tu parles.. c’est àmoi que tu parles

ومثل جرثومة قذرة متلبسة رجع إلى الوراء، مفزوعا، هاربا يصرخ : حذاري إنه .. إنه الوحش.
بقلم عبد الله عز قاص وفنان تشكيلي

التعليقات مغلقة.