مسؤول جامعي يغادر من الباب الصغير أسوار المسؤولية و إرتياح واسع في صفوف الوسط الجامعي

مسؤول جامعي يغادر من الباب الصغير أسوار المسؤولية و إرتياح واسع في صفوف الوسط الجامعي (1/30).

بعدما عمر لأزيد من عشر سنوات في كرسي المسؤولية بين التعيين و النيابة، بعدما صال و جال كما يحلوا له المزاج في التسيير و التدبير، بعدما خلط الأوراق و نسج خيوط المؤامرات و الكيد الدفين، بعدما خاصم هذا بذلك و صدم هذا بالآخر، بعدما جعل من نفسه متفرجا ساخرا على مسرحية ليست هي سوى من تألفيه و إخراجه، فإستحق شهادة الدوكتراه مع توصية بالنشر فهو من درس بالولايات المتحدة الأمريكية لأيام معدودة، لا شك أنه تعلم منها فن صناعة الأفلام الهوليودية بطريقة إحترافية ماكرة، كنسجه لخلايا المافيات المتخصصة بالسمسرة بعين المكان و جلب المعلومة ولو من قاع الأبار، هو زعيم مافيا بنى بيته  كالعنكبوت على جرف هاو فسقط بالمحضور، و إعتقد أن إسمه خالد للأبد ليتغنى على ليلاه بضواحي مازاغان معاقرا النبيذ الأحمر ذو الزجاجة السوداء الغامقة(Médaillon).

يأتي يوم الرحيل  لتكون المغادرة سوى من الباب الخلفي الصغير للمزرعة التي إعتقد أنه هو مالكها و الحاكم بأمر الآلهة فيها، كيف لا و هو كالملاك حين تراه عن بعد بل و حين تجالسه عن قرب، لا تدري أ نفسه التي تخالطه بين عروقه هي من تقرر المكائد أم أنه كان مجرد ضحية مؤامرة أكبر منه، تعرض خلالها للإبتزاز و الإستفزاز من كانت رَقبته بين أيدِيهِما، فُساقوه للتفاهات و الثانويات، أم هي فقط غريزته و شهوته التي جعلت من أيديه و أرجليه مَعقودتين بحبلين لا ثالث لهما، غَابت عنه الرؤية و الأهداف و الوسائل، تَشدق بأرقام هي قريبة للخيال في تاريخ مغادرته أسوار المسؤولية، حتى في آخر أيامه هوى إلا أن يُجالس الصِغار الراسبين في البحث عن العلم و المعرفة، و هو من جلدهم إلى وقت قريب بسوط غليظ، و هذا عادي فالصغير يضل صغير مهما كبر في السن أو فاقَهُ حجم المسؤولية و جسامتها، لأن المستوى الدنيء و المنحط  بتعدد الوجوه و الألسن، تضل فقط من علامات المنافق الذي هو بالدرك الأسفل مما لا شك فيه رفقة فرعون.

لقد كنا نعتقد أنه عند إقتراب لحظات الوداع و نهاية المرئ، لا في الحياة و لا في تولي المسؤوليات، يسعى إلى التسامح و نبذ العنف و أن يجعل الخيط الأبيض بعين إبرته ليمم الجراح التي تسبب فيها، حتى يُذكر بالخير بعد نهاية مسيرته، لكن صاحبنا في اخر أيامه لم يشأ إلا أن تكون حاله كحال جل أيامه السوداء، فنشر الحقد و الفتن التي هي من تخصصه و هي ما حَلت لَهُ من سجيته، فالإنسان الفاشل عُرَفَ أَنَهُ لكي يلعب دورا هاما و كي يشرف على حماية مصالحه الذاتية و الشخصية لا يجد ملجأ سوى بخلق الفوضى و الصراعات، و هي سياسة بني قريضة، فالجميع سينشغل بما هو ثانوي سينشغل بالإشاعات و التطاحنات، في ما يحلوا له أكل الحلوى و شرب الجعة رفقة القلة من إعتقد العامة أنهم من الشرفاء، و ما كانوا سوى مالكين لملفات سوداء ربطوا بها عنق المسؤول المؤسوف عنه، إستباحوا ميزانية الدولة من أموال دافعي الضرائب بكل أسف و حسرة، فقد تكون قد غابت المحاسبة و التدقيق المالي الآني، إلا أن الحال سيأتي مهما طال زمان أو قصر.

لقد رحل عنا كما تطوى صفحات الكتب و كما يصعد الشريط الأسود بالأفلام الهوليدية، رحلت عنا أيامه السوداء لن نتذكر منها سوى المأسي  و المصائب التي حلت بنا جميعا، لقد رحل و حسابه مما لاشك به سيكون بين يدي الخالق الوهاب، أما حسابه البنكي بمنزله الشخصي سيظهر عليه في الأيام القلائل، لقد رحل عنا إلى غير رجعة و هو الذي يتمنى أن يتولى حجما أكبر من حجمه، فقد يحالفه الحظ من جديد و قد يكون قضاءا و قدرا لن يمنعه منه أي بشري، لكن حتما هي فقط مشيئة الله على عباده بإمتحانهم و تجربتهم بالحفاظ على الأمانة، التي لم تقدر عليها الجبال بحملها فكان الإنسان ظلوما جهولا.

في الحلقة المقبلة سنكتشف خبايا المسؤول الجامعي المؤسوف عليه بتاريخ تشريحه للضفادع، و عن الإستعدادات التي يعدها له زملائه السابقون لإستقباله من جديد بالسنة الجديدة، و عن مآل الشكايات المرتقب وضعها بالمجلس الأعلى للحسابات.

ملحوظة : أي تشابه بين هذه الشخصية الخيالية مع أخرى بالواقع فهو فقط من محظ الصدفة، الله إسمح لينا.  

التعليقات مغلقة.