المازوخية السياسية

تُعَرَّفُ المازوخية على أنها ميول نفسي للتلذذ بتلقي الألم والإذلال أثناء العملية الجنسية، لكن أدبيات علم النفس المعاصرة تجاوزت المفهوم القديم واقتصاره فقط على الممارسة الجنسية إلى مصطلح أكثر شساعة وهو ما يعرف بالمازوخية العامة ويقصد بها التلذذ بتلقي الألم والعذاب والإذلال مطلقا. وإذا كان أصل التسمية يرجع إلى الروائي النمساوي “ليوبولد فون زاخر مازوخ” بسبب اضطرابه النفسي واستمتاعه بتلقي الألم وتفننه في تدوين ذلك في روايته الشهيرة “فينوس في معطف الفرو” حيث صور فيها أبرزالمواقف التي تتسم فيها المرأة بالقوة والاستعباد . فإن أمر المازوخية أقدم من مازوخ بكثير فهي متلازمة رافقت بعض البشر من بدء الخليقة ، وفي الشعر العربي باعتباره ديوان حياة العرب الكثير من تمظهرات المازوخية خصوصا عند الشعراء العذريين، وسنكتفي بمثالين فقط أحدهما لمجنون ليلى الذي يتمنى الموت إذا كان سما زعافا ممزوجا بريق محبوبته.
ألا يا نسيم الريح لو أن واحداً
من الناس يبليه الهوى لبليت
فلو خلط السم الزعاف بريقها
تمـــصــصــت منه نــهــلة ورويــت
والآخر لجميل بن معمر الذي ينتشي فيه بحب قاتلته ومعذبته بتينة :
خَليلَيَ فيما عشتما هل رأيتما ……….. قتيلا بكى من حب قاتله قبلي
لكن الذين يهمنا من المازوخية هو تعريفها الشامل والذي ربطها بكل تعلق ولذة بالقهر والاستعباد. والمتأمل لمظاهر التمتع بالاضطهاد والمظلومية والتباكي من فرط حب المستبدين. والرضى بالاستعباد وحياة القهر يجد أن فئة كثيرة من الشعب قد استطابت حياة الذل ونفرت من كل رغبة أو حركة تدعوها لخلع معطف الضحية وتمزيق صك العبودية، وإذا كانت مقاومة التغيير والرضى بالرتابة شيء متأصل في النفوس البشرية فإن حالة الانسان العربي والمغربي على الخصوص تبقى عصية على الفهم إذا لم يُنظر في محدداتها والأصول التي شكلت الوعي الجمعي للشعوب العربية . فحالة الإذعان والمازوخية الملازمة للفعل السياسي تمتح من نصوص دينية تم لي عنقها لتلائم استبداد الأسر الحاكمة وتركيع الإرادة السياسية . كما تستقي من أعراف وعادات قبلية راسخة في وجدان الانسان العربي الذي لم تغير من تقاليده طفرة البتردولارولا ثورة مواقع التفاعل الاجتماعي. كما أن تركيز مناهج التعليم فقط على الجانب العلمي وإهمال الجانب الأدبي والانساني كلها عوامل تزيد من مظاهر الاستعباد وتوفر أيد عاملة يُزج بها في دورة إنتاج لا ترحم .
وإذا كان المازوخي إنسانا مولعا بحب الخنوع فعلى النقيض من ذلك فالسادية هي الانتشاء بإيقاع الشر والعذاب على الآخر وهنا يبرز دور الأنظمة السادية التي تتمتع بمازوخية الشعوب وتسلتذ برؤيتهم طوابيرا تستجدي لقمة العيش أو تهتف بأسمائهم كلما ما داهمها مكروه. ولعل الانعتاق من هذه الحالة أكبر من مقال أو كلمة تقال هنا أو هناك ولكن أولى الخطوات نحو درب التشافي هي الوعي بالحالة وتشخيص مكمن الداء والخروج من الغيبوبة الثقافية والتخلص من الجهل المركب.حتى لا نكون كما قال حمار الحكيم:
قال حمار الحكيم يوماً ** لو أنصف الناس كنتُ أَرْكَبُ

لأنني جاهل بسيط ** وصاحبي جاهل مركب.

حسن لحو

 

التعليقات مغلقة.