ممارسات الأفراد ليست عاهة للإيديولوجية “المجتمع المحافظ نموذج”

ممارسات الأفراد ليست عاهة للإيديولوجية “المجتمع المحافظ نموذج”

إن الوعي بالذات و الوعي بقيمة المجتمع ينطلق من داخل الفرد وطريقة رُأيته للواقع الذي يعيشه كل يوم في حياته العادية سواء الفردية أو الجماعية، و في ظل الاحترام الذي يُكن به الأخر اتُجاههُ أو في ظل احترامه لذاته وتحمله مسؤولية ممارساته وقراراته دون إسقاطها على الأخر أو على المجتمع، و بالتالي يتفادى الفرد أن يحلل ما يناسبه و يحرم ما لا يتوافق معه ومع فكره أي أن يتفادى قولة “حلال علينا و حرام عليكم”، هو فقط غيض من فيض في إطار تحليل شخصية الفرد في سيكولوجية المجتمع، و بالتالي إن أول سؤال يتبادر إلى ذهني شخصيا هل يحق لنا أن نقوم بإنزال ما يروج في عقل الفرد و نرجعه عيبا ضمن الأيديولوجية أو المجتمع؟ أليس من علامات البلوغ الحقيقة قول أنا من فعلت أو من فهمت أو من قررت، وليس الأخر والظروف والمجتمع؟؟ هي مجموعة من الإسالة سأحاول أن أجيب عنها من مرجعيتي الخاصة وقناعاتي خلال هذا المقال.
نعيب زماننا والعيب فينا* وما لزماننا عيب سوانا.
ونهجوا ذا الزمان بغير ذنب* ولو نطق الزمان لنا هجانا.

فضلت أن تكون انطلاقتي فيما تبقى من مقالتي بهذه الأبيات الشعرية للإمام الشافعي رحمة الله عليه، وهذه الأبيات هي تلخص ما يعيشه المجتمع بأفراده، فالكل يعيب الزمن في حين أن الزمن ثابت، الكل يلوم المجتمع في حين أنهم هم مكونات المجتمع، الكل يهجوا فِكرا متجذرا في العقول في حين أنهم من يصونه في عقولهم ويتشبث بها كلما رأى أنها تخدم مصالحه، ويتنازل عنها مادام هنالك العكس، يأخذون ما يوافق أهواءهم ويرُدُّون ما لا يوفقها دون استخدام البصير والعلم وحتى الدين أو مبادئ المرجعيات التي ينتمـون إليهـــــــا و إيديولوجياتهم، هذا يبقى قليل من كثير مما يجول في مجتمعاتنا التي ما فتئنا نلومها و ننسب لها عيوبنا بأنها عاهات لها أي المجتمعات.
أما و بالرجوع إلى ما يسمى بالمجتمعات المحافظة و التي سأؤكد أن مجموعة ليست بالهينة من الأفراد يربطونها بالدين، في حين أن لفظة مجتمع محافظ ترتبط بارتباط الأفراد بالعادات و التقاليد و الأعراف القديمة كيفما كانت الديانة و المذهب، و بالتالي فلفظة محافظ نستطيع أن نقولها على أي إنسان وَفيٌ لما سبقه من عــــــادات و تقاليد، فقديمًا اقتدت الأمم التي حل عليها عذابُ الله وسخَطُه بالآباء والأجداد، ولم يكن هؤلاء نموذجا إيجابيا كمجتمع محافظ ظل وفيَا لانحراف الأباء و الأجداد عن الصواب والتوحيد، فكانت نتيجة ذاك الإتباع هو الهلاك.
إن المجتمع المحافظ – المجتمع المتشبث بتقاليده وعاداته وماضيه – يبقى منفردا بذاته لا يجب ربطه بدين أو إيديولوجية أو غيرها، لكن ما هو ملاحظ مثلا في الأمة المغربية فكلمة محافظ دوما تعني الارتباط بالديـــن و خصوصا تعاليم الدين الإسلامي و هذا بارز لدى شريحة واسعة من ذات المجتمع، في حين أن تعريف المجتمع المحافظ غير مرتبط بشيء مما سبق، و بالتالي تبقى هي وسيلة في يد الفاعل ليسيطر على المفعول به، دون الزيادة في الشرح لأن شرح الواضحات يبقى من الغباء، و بالتالي حان الوقت للنداء في جميع شرائح المجتمع مع اختلاف توجهاتهم و أيديولوجياتهم و سيكولوجيتهم و مبادئهم للقيام بثورة ليست لإسقاط نظام أو تغيير حاكم أو مسير بل ثورة فكرية و ثورة ثقافية، بها نزيل العتمة التي تحيط بمفاهيم تجدرت و لازلت تلتصق بماهيتنا و كينونتنا و تتشعب في عقولنا، بل الأكثر من هذا تتسرب بشكل خاطئ للجيل الذي يلي الجيل الأول فتُتًخذ كعدو دون معرفة السبب أو الهدف، فقط هو تحدي للتنصُل من جيل سابق بجيل لاحق.
إن لنا من الأمثل التي تجسد لنا الفهم الخاطئ لمفهوم المجتمع المحافظ العشرات إذ لم أتجاوزها إلى الألاف، لكن لكي لا أطيل عليكم أحبتي القراء سأتطرق لمثال واحد وهو عذرية الفتاة أو “بلفظ أخرى غشاء البًكر” فإذا اعتبرنا أن المغرب بلد محافظ فيعتبر الحفاظ على غشاء البًكرة يعد من الثوابت التي لا يتنازل عليها الرجل لقبول المرأة للزواج، وهو رمز لعفتها في حين أنه يعلم أن الفتاة قد تمارس الجنس دون أن يمس ذات الغشاء، في حين أن المجتمعات الغربية -وهي أيضا تعتبر مجتمعات محافظة- تعتبر ذات الغشاء أن لا أهمية له، وبالمقابل نجد أمورا أخرى تعتبر ذات قيمة في مجتمع غربي والعكس في مجتمعاتنا العربية وخاصة المجتمع المغربي الذي أعتبر شخصيا جزءا منه.
إننا اليوم وأكثر من أي وقت مضى أصبحنا ملزمين بتوضيح الأمور لأبنائنا وتلاميذنا وطلبتنا إذا ما أردنا الرفع من مستوانا الفكري والثقافي للمجتمع بل الوصول إلى القدرة على الحفاظ على الموروث الإيجابي و التخلص من الموروث السلبي كمجتمع له من السنين أزيد من 12 قرن من الإعمار، بل الأكثر من هذا فواجب الدولة اليوم توفير مواد دراسية توضح الفروقات الثقافية و الفكرية و العادات و التقاليد منذ أول يوم لولوج التلميذ للمؤسسات التعليمية، و هذا لا يقتصر على مؤسسات الدولة وحدها فقط بل حتى المؤسسات الغير الحكومية كالجمعيات و باقي هيئات المجتمع المدني، بل تجذيره في الأساس و الذي يتمثل في بيوتنا كأسر نسيت أدوارها أو تناستها.
الكاتب: عبد الاله رشقي

التعليقات مغلقة.