موضة “خالف تعرف”

لعل ما يثير انتباهي خلال هاته الأونة الأخيرة , خصوصا و نحن في شهر ديني (رمضان) تتشدد من خلاله الرقابة المجتمعية بشكل أساسي حول ممارسات المتدين إلى جانب أخيه المتدين , في الصيام و الصلاة و عموم ما فرضه الدين من عبادات… , و ذلك دون تحديق في درجة تدين فرد ما حتى لا ننزلق عن السياق الذي نود مناقشته . داخل المجتمع المتدين شكلا إذا صح التعبير , نجد أن فئة قليلة خارجة عن السياق الاجتماعي , فئة تمتلك فكرا نقيضا عن الفكر القطيعي العام للمجتمع , فئة تضع العقل و المنطق و الواقع الملموس في أولويات الفكر و التفكير , بعيدا عن مفاهيم “التحليل” و “التحريم” و “يوم الحساب”…..و التي أفرزها الدين كمنظومة إيديولوجية , و لكن ما يهمنا أكثر من كل هذا , هو التطور الاستثنائي لهاته الفئة القليلة داخل المجتمع و ذلك على المستوى الكمي , تطور ينتصر لفكر المنطق و إعمال العقل , و يضرب في عمق الفكر الميتافيزيقي و الأسطوري الذي يخذر الوعي , مما جعل من صراخ المطالبة بالحريات الفردية و حرية المعتقد يعلو و يرتفع عدوه أكثر فأكثر , رغم رصاص التكفير و الاتهام بالردة , و لكن السؤال أو الأسئلة التي تطرح ذاتها لدى المتتبع , هل هذا الكم الاستثنائي ممن ينتقدون الدين و المعتقدات و يختلفون معها و يطالبون بتحررهم من قيود الرجعية , هل يتوفرون على ممارسة صحيحة لفكرهم و قناعتهم ؟؟ و هل ممارستهم تنم عن فهم و وعي صحيح بذلك الفكر أو ذاك ؟؟…. إن واقع المرحلة , يجيب عن المشكلات المطروحة بالسلب لا بالإيجاب , و لعل خير مثال على ذلك , هو بعض أوجه الممارسات اللامسؤولة لمن يتشدقون بالتحرر و التقدمية , و بالتالي فممارسة الفكر بشكل لامسؤول و صبياني , يجعل من الفرد في محط تناقض , ينتج العبث محل المنطق و الجهل محل العقل , فعندما يصبح الشغل الشاغل لذلك الفرد , هو مواجهة ذلك النقيض المتدين الذي يحلل و يحرم في جهل واضح بالفكر , و لعل تلك المواجهة لو أنها كانت بالاستدلال المنطقي لسررنا و صرخنا فرحا بذلك , و لكن مع الأسف نجد أن مفاهيم “الظلامية” و “التجهيل” و “التكليخ” تنتشر كفقاعات الصابون من طرف ذلك الفرد الواعي في ضرب واضح لثقافة الحوار و تدبير الاختلاف , ألا نتكلم هنا انسياق في الجهل الأعمى بشكل غير ملموس ؟ , هذا من جهة , من جهة ثانية , نجد أن هناك بعض الأفراد ممن يدعون إلحادهم أو لادينيتهم و تلك حريتهم بطبيعة الحال و حقهم الطبيعي , يظهر من خلال أسلوب نقاشهم أو من ممارستهم , أنهم مرتبطون بفكر ما أو تيار ما لا عن اقتناع , بل ارتباطهم هو باب التشدق و التباهي و “خالف تعرف..” , لنترك المجال للأسئلة لتجيب عن ذاتها , فكرا و واقعا , هل أصبحنا مع الفكر و المعتقد ك”مـــوضة” ؟؟؟ هل نصبحنا نتعامل مع جهل المضمون و رقي الأسلوب المغشوش ؟؟؟……
و في الأخير أود أن أوضح , بأنني لا أضرب أو أطعن في فرد ما أو تيار ما أو فكر ما , فأنا شخصيا مع العفل و المنطق و ضد كل فكر يغيبهما , و لكن ما أهدف إليه من خلال المقال هو زوال التناقضات القائمة في الفكر و الممارسة , لأن التفرغ في انتقاد الأخر تساهم في تطوره , و تضعف الذات , لذلك لابد من نقد ذاتي يدفع بالذات إلى التطور من حسن إلى أحسن .
عبد الله المستعين

التعليقات مغلقة.