رشيق: هذه أسباب فشل الحراك المغربي

يذهب عبد الرحمان رشيق، الأستاذ الجامعي في السوسيولوجيا الحضرية، إلى أن أخطاء أساسية ارتكبت حدت من تأثيرات  20فبراير، أبرزها الاعتقاد الخاطئ بأن نقل التظاهر إلى هوامش المدن قد يؤجج الاحتجاج، وعدم الاتفاق على سقف واضح حوله إجماع للمطالب، لكن  من مصلحة الجميع أن تبقى روح 20 فبراير سائدة، لأنها ستبقى مثل نور يضيء الطريق.  

‭{‬ ماذا تقول عن 20 فبراير في 2015؟

< توقفت مظاهرات 20 فبراير قبل ثلاث سنوات، وتراجعت بنسبة هائلة في 2012، لأسباب معروفة، وأغلب الأحزاب لم تشارك فيها بصفة رسمية، وتراجع الكثيرون عن التظاهر عقب دستور 2011، وربما منذ التصويت على الدستور لم يعد لحركة 20 فبراير تأثير واضح؛ لأن الناس تميل إلى التريث بعد المبادرات التي يطلقها الملك، وحينما أعلن مراجعة الدستور، أراد الناس أن يعطوه فرصة، فتراجعوا تدريجيا عن التظاهر، لكن الطرف الآخر، أي الناشطين في 20 فبراير، كان لديهم رأي مختلف، لأنهم كانوا ينظرون إلى الحلقة المتكونة من الأكاديميين المعنيين بمراجعة الدستور على أنهم موالون للمخزن، ولا يمكن لأي دستور يشرفون على مراجعته سوى أن يكون دستورا ممنوحا، ومن هنا، برزت راديكالية 20 فبراير، من خلال طرفين رئيسين، هما العدل والإحسان والنهج الديمقراطي، وبالرغم من وجود حزبي الاشتراكي الموحد والطليعة في الحراك، إلا أن تأثيرهما كان محدودا نسبيا، وتركا للفاعلين الرئيسيين وحدهما حسم مسار المعركة، وبسبب ذلك شرعت 20 فبراير في ارتكاب الأخطاء بشكل متتال.

‭{‬ وهل كان ذلك هو الخطأ الرئيس للناشطين؟

< لا، كان الخلل الجوهري في هذه العملية هو نقل المظاهرات من مراكز المدن نحو الهوامش، فقد كان ذلك غير مؤسس على معطيات بحثية خالصة، وكان الناشطون يعتقدون أن الناس الأكثر عرضة للتهميش يمكنهم أن يدفعوا بزخم الحراك إلى مستويات أعلى، ولكن كان واضحا، منذ البداية، أن التعويل على هذه الخطة غير مجدٍ، ولن يؤدي إلى نتائج فعالة، لأن الناس الهامشيين لا يمكن تعبئتهم بتلك البساطة، ولم يكن سهلا، بتلك الطريقة المفاجئة، ضح منسوب كاف من الوعي السياسي في وعي طبقة، ننظر إليها كطبقة مهمشة، لكي تخرج للتظاهر. وما يحدث في حقيقة الأمر، هو أن الاحتجاج يدفع إليه، أولا، شعور الناس بالتهميش والحرمان، لكننا كنا إزاء مشاعر متناقضة، لأن هؤلاء الناس المحرومين لم يكونوا مقتنعين بأن تهميشهم سبب كاف كي يتظاهروا، فقد كانوا قنوعين بأوضاعهم، وبينت الأبحاث التي أُجريت سابقا، أن الاستناد إلى تلك الطبقة قد لا ينتج أي شيء. لقد كان وعي الناس بأوضاعهم وبالكيفية التي يجب أن يغيروا بها مشاكلهم غير كاف لدفعهم إلى التظاهر، حيث إن حركة 20 فبراير لم تنجز عملا بحثيا، واكتفت بتعليقات عابرة لناشطين يحرضون على نقل التظاهر إلى الهوامش دون أن تكون لديهم قاعدة معطيات واضحة. كانت المشكلة المطروحة وقتها، عندما لم تظهر أي تغيرات على نسب المشاركة في المظاهرات، أن الناس المهمشين ربما لا يثقون في جوهر العملية، وهذه قضية كان على الناشطين استيعابها لأنها كانت موضوع أبحاث كثيرة. في الدار البيضاء، مثلا، هنالك ما نسميه هشاشة الروابط الاجتماعية بين الأفراد، لأننا كنا إزاء لامبالاة كبيرة وخوف متبادل بين الأفراد، وقلة الثقة بينهم، وهذه مشكلة حقيقية، لأنها لا تصنع مجتمعا، بل فقط جماعة من الأفراد، ولكن 20 فبراير نجحت، في كل الأحوال، في تقليص أثر هذه الهشاشة، فقد جمعت بين نقيضين، وكلما ظهرت نقطة خلافية، طرحت نقطة أعلى يمكن التوافق عليها، ولم يعد الدم أو الخلاف الإيديولوجي السائد قبل 2011 مطروحا كخلفية في جمع الناس في 20 فبراير، ومع ذلك، في وقت معين، كان يجب أن يكون هناك فرز، وأصبح من الضروري تحديد المفاهيم والأهداف، ولذلك طرحت مشكلة ما يجب أن يطالب به الناشطون، وما إذا كان ينبغي أن يقف عند حدود الملكية البرلمانية، وهو ما كان يطالب به حزبا الاشتراكي الموحد والطليعة، أم يجب تجاوز تلك الحدود إلى مطلب أكثر تطرفا. وهنا بالضبط دخلت 20 فبراير في أزمة حقيقية. 

‭{‬ ربما حماس الشباب هو الذي قاد الناشطين في 20 فبراير إلى ترك المطالب غير محددة. أليس كذلك؟

لا، إن هذا القول ينطوي على خطأ منهجي، وقد وقع بعض الباحثين في هذه المشكلة التقديرية عندما قالوا إن حركة 20 فبراير نجحت في دفع الشباب إلى الواجهة. نعم، كان هنالك شباب في 20 فبراير، لكنهم ليسوا وليدي اللحظة، فهم شبان قادمون من أحزابهم أو نقاباتهم، أضف إليهم بعض الشبان الذين ينشطون على «الفيسبوك»، وبعضهم أصبح مناضلا في الحراك دون أن تكون لديه بطاقة عضوية في حزب. لقد كان هناك عدم تجانس في المواقف في 20 فبراير، وهو ما دفعها إلى الاضمحلال بشكل تدريجي.

الشباب لم يُعبأ كما يجب في 20 فبراير، وقد ظهر ذلك في بحث أنجزته المندوبية السامية للتخطيط. لقد تحمس بعض الشباب للفكرة، لكن الأغلبية بصفة عامة بقيت بعيدة عن الحراك، وقد قدمت المندوبية السامية للتخطيط في 2012 نتائج بحثها لتكشف أن 1 في المائة فحسب من الشباب من يملك بطاقة عضوية في الأحزاب السياسية، و4 في المائة من يحضر نشاطا يعقده حزب معين، و4 في المائة يشاركون في الاحتجاج والإضراب، و36 في المائة يصوتون في الانتخابات بشكل منتظم. في 2012، كان هذا هو الوضع، ما يعني أن كل ما قيل في 2011 حول قدرة الحراك على تعبئة الشباب المغربي سياسيا لم يكن يستند إلى واقع حقيقي. كان هنالك 4 آلاف من الشبان المسيسين يسندهم بضع مئات من الناشطين على الفيسبوك، ولم يكن هنالك حشد شبابي بالطريقة التي صُور بها الوضع آنذاك. إذا كان هنالك عزوف للشباب عن السياسة قبل 20 فبراير، فإن الحال لم يتغير بعدها، وهذه حقيقة. 

‭{‬ بعد عامها الأول، شرعت 20 فبراير في الاضمحلال، هل يعود ذلك إلى أسباب ذاتية أم إن مشاكل خارجية؟

لا يمكن، على كل حال، أن ننكر أن الاحتجاج في المغرب لم يكن وليد حركة 20 فبراير، بل كانت له صيرورة تاريخية، ولكن، في الوقت نفسه، لا يجب التغاضي عن السياق العام الذي ولدت فيه حركة 20 فبراير، أي ما وقع في تونس ومصر. في المغرب، انطلقت احتجاجات العاطلين في التسعينات عبر مظاهرات في الشارع العام بدون ترخيص، وهؤلاء جميعهم شباب، وقد تطورت الاحتجاجات منذ 2005 بشكل كبير، حتى أصبح التظاهر عملا عاديا بالنسبة إلى الناس، وهو ما جنب انزلاق الأوضاع في 20 فبراير إلى منحى متطرف. وحتى الدولة نجحت في أن تتعامل بذكاء مع التظاهرات، وكان أسلوبها عقلانيا، وقد لاحظنا أن مظاهرات 20 فبراير لم تكن تكتسي طابعا عنيفا بالرغم من حدوث بعض الانفلات الجانبي. وكان الملك على وعي بأن المظاهرات الشعبية لا يجب التعامل معها مثل ما جرى في تونس أو مصر، ولذلك طرح مشروع مراجعة الدستور. وبالطبع، لا يمكن القول بأن 20 فبراير هي التي كانت وراء دستور 2011، لكنها قدمت عوامل مسرعة، لأن الدستور كان يطبخ منذ زمن، وكانت المطالبات السياسية بمراجعة الدستور قائمة، وكان ينتظر فقط اللحظة المناسبة، وقد تحقق ذلك في 20 فبراير. 

‭{‬ من هم المستفيدون من حراك 20 فبراير؟ ألا يمكن القول إن من ربح من الحراك هم من كان لديهم تحفظ أو وضعوا مسافة بينهم وبينه؟

المؤسسات السياسية، أي الأحزاب، لم تشارك بصفة رسمية، بل شاركت شخصيات في الحراك بشكل غير رسمي، منها منتمون إلى حزب العدالة والتنمية. كان بعض الزعماء السياسيين يقولون إنهم لا يعرفون هذه الحركة، ولم يطلب منهم يوما أن يشاركوا فيها، ولم يكن بودهم المغامرة بالبلاد، لأن ما كان يقع وقتها في مصر واليمن وحتى في سوريا، لم يكن يقدم مؤشرات مطمئنة إلى ما يمكن أن يقودهم الحراك إليه. ومع ذلك، كانت هنالك بعض من الأحزاب الرئيسة ممن دعمت الحراك باللوجستيك، ولكن خفية، وبقيت على المستوى الرسمي بعيدة منه. كان هنالك خوف لدى الطبقة السياسية من الحراك، لأنهم لم يكونوا يفهمونه، ولم تستطع 20 فبراير كسب ثقة الطبقة السياسية. وعلى كل حال، كان حزب العدالة والتنمية هو المستفيد بالرغم من أن قادته كانوا ضد الحركة.

‭{‬  وهل كان سيستفيد لو لم تظهر 20 فبراير؟

من الصعب التنبؤ بما كان سيحدث للإسلاميين أو لحزب العدالة والتنمية لو لم تكن هنالك 20 فبراير. 

‭{‬ لكن هناك مخاوف من أن تعود  الأوضاع إلى سابق عهدها قبل ظهور 20 فبراير؟

يجب أن توضع 20 فبراير في سياقها، لأن تعامل المؤسسة الملكية مع الحراك كان موقفا استراتيجيا وقتها بالنظر إلى التجارب السيئة في اليمن ومصر وتونس، وكان الانسحاب التكتيكي للقوات العمومية من الواجهة عملا دُبر بحكمة، وتُركت المظاهرات تدار بشكل سلمي ودون مقاومة أو قمع. وما وقع من قمع لا يمكن تعميمه؛ فقد كان متقطعا وجزئيا واستثنائيا. وظهر التدبير الذكي للدولة حينها في تعرض حتى الموالين للنظام للأسلوب نفسه من المعاملة، ولم تكن الدولة أو القوات العمومية تدعم تظاهر الشباب الملكي، لأنها كانت تحاول ما أمكن أن تتفادى وقوع مواجهات بين المؤيدين والمتظاهرين، لأن النتائج لا يمكن توقعها. 

‭{‬  هنالك بعض الإحباط في النفوس سواء لدى الناشطين أو لدى جزء من الطبقة السياسية، ونسمع كثيرا تلويحا بالعودة إلى التظاهر والتهديد باسم 20 فبراير.. هل تحول الحراك إلى فزاعة لمقاومة الانحراف في البلاد؟ 

ما تمثله 20 فبراير، في المحصلة الأخيرة، هو التوافق في حده الأدنى على المبادئ الرئيسة للنضال السياسي، ولا يمكن لهيئة كيفما كانت أن تعارضه، ولن تعثر على أحد يقف ضد القول بأن الفساد والاستبداد يجب أن يُحاربا. غير أن المشكلة أن هذه المبادئ ظلت شعارات، ولم تستطع 20 فبراير أن تدخل تلك الشعارات حيز التنفيذ. هنالك مشاكل مطروحة بشأن الاختصاصات الموزعة بين المؤسسات، وستبقى هذه القضية مطروحة على الدوام، ويجب أن يكون هناك حراك سياسي يدفع نحو تحقيق نسب معقولة من الدمقرطة. لذلك، ستبقى 20 فبراير مثل نور يضيء الطريق. ومن مصلحة الجميع أن تبقى روح 20 فبراير سائدة. 

التعليقات مغلقة.